ولعلّ الإمام الصادق عليهالسلام استخدم كلمة ( الخلق ) لأنّها أوسع مفهوماً من كلمة الناس لشمولها جميع مخلوقات ربِّ العالمين من الجن والإنس وحتى الملائكة ، فنتساءل : لماذا فُطم الخلق عن معرفتها ؟ لقصور إدراكهم ؟ أم لعلوّ مقام الزهراء ؟ أم للأعمال التي اقترفوها ضدها جرياً مع الهوى وحب الذات ؟ أم لكل من ذلك نصيب في الأمر ؟
بلى إنّ منزلة الزهراء عالية لا يمكننا أن ندركها كما هي ، لكنّ الإمام علياً كان يدرك مكانتها ، لأنه من نفس النور وذلك الاصطفاء ، (١) فقد جاء في كتاب مقتل الحسين للخوارزمي أن الإمام قال ـ بعد صلاته على الزهراء ـ مخاطبا ربّ العالمين :
|
هذه بنت نبيك أخرجتَها من الظلمات إلى النور ، فأضاءت الأرض ميلاً في ميل. (٢) |
فالإمام أراد بكلامه هذا أن يقول : أخذتها يا رب العالمين من هذه الدنيا المظلمة إلى نورك المطلق ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دريّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ) أي أنها رجعت إلى ما خلقت منه ،
_______________________________________
١. جاء في كتاب الإمام علي عليهالسلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ـ عامله على البصرة : وأنا من رسول الله كالضوء من الضوء والذراع من العضد. انظر شرح النهج ١٦ : ٢٨٩ ، والمراد من هذا التشبيه شدة الامتزاج والاتحاد والقرب بينهما.
وفي آخر : أنا من أحمد كالضوء من الضوء ، نهج البلاغة ٣ : ٧٣ / كتاب ٤٤ ومعناه أن أصله عليه السلام وأصل الرسول واحد كالنخلتين تخرجان من أصل واحد. ويؤيده ماجاء عن النبي صلىاللهعليهوآله حيث قال لعلي عليهالسلام : يا علي من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبك فقد سبني ، لأنك مني كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي. عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٦٦ ، إقبال الأعمال ١ : ٣٧ ، بحار الأنوار ٤٢ : ١٩٠.
٢. بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٥.