الرَّاكِعِينَ * ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ). (١)
ولما قال القوم لمريم : ( يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) (٢) أي مفترى مكذوباً ، أو عظيماً في المناهي ، ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) (٣) فأشارت مريم إلى عيسى وهو في المهد وطلبت منهم أن يستفسروا منه عن الأمر ، فقالوا : ( كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) (٤) فأنطق الله عيسى ، ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ). (٥)
فمريم هي الصدّيقة بنص القرآن الكريم ، وبينها وبين فاطمة الزهراء مشتركات كثيرة ، منها أنهما من سلالة النبوة ، والنبوة سلالة بعضها من بعض ، لقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ، (٦) فهي ابنة نبي وفاطمة ابنة خاتم الأنبياء ، ومريم أم لنبي وفاطمة أُم لأبيها وأم لوصيَّين بل أمّ الأوصياء ، ومريم ولدت من غير زوج على نحو الإعجاز حيث لم يكن لها كفو ، وفاطمة أنجبت من
_______________________________________
١. آل عمران : ٤٢ ـ ٤٤.
٢. مريم : ٢٧.
٣. مريم : ٢٨.
٤. مريم : ٢٩.
٥. مريم : ٣٠ ـ ٣٣.
٦. آل عمران : ٣٣ ـ ٣٥.