وقال المحقّق الرضيّ : (أجاز الكوفيّون ترك الإعادة في حال السعة مستدلّين بالأشعار ، ولا دليل فيها ؛ إذ الضرورة حاكمة عليه ، ولا كلام فيها ، وبقوله تعالى (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (١) بالجر في قراءة حمزة.
وأُجيب بأن الباء مقدّرة ، والجرّ بها (٢) ، وهو ضعيف ، لأن حرف الجرّ لا يعمل مقدراً في الاختيار إلّا في نحو (اللهِ لأفعلن).
وأيضاً لو ظهر الجارّ فالعمل للأوّل ، ولا يجوز أن تكون (الواو) في (وَالْأَرْحامَ) للقسم ، لأنه يكون إذن قسم السؤال ، لأن قبله (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ، وقسم السؤال لا يكون إلّا مع الباء. والظاهر أن حمزة جوّز ذلك بناءً على مذهب الكوفيّين ؛ لأنه كوفي ، ولا نسلّم تواتر القراءات السبع) (٣) ، انتهى كلام الرضيّ.
وأقول : أما الحمل على الشاذّ فشاذّ مخالف للقياس ، والاستعمال مع ما سمعت من ردّه في عبارة الرضيّ بعد الاحتجاج بالأشعار على قراءة حمزة ، ففيما تلونا عليك من نثر غيرها كفاية.
وأمّا حمل الأشعار على الضرورة ، فما ورد منه في النثر يشهد له بعدم كونه كذلك.
ولو سلّمنا أن الواو في (وَالْأَرْحامَ) للقَسَم ، فلا يتأتى لهم حمل (الواو) في كلّ موضع على القسم.
وأما قول المحقّق الرضيّ رحمهالله : إن حمزة إنّما جوز ذلك بناء على مذهبه وأصحابه ، فكلام عجيب غريب من مثله ؛ لأنه لم ينفرد بهذه القراءة حمزة وحده ، بل نقلت عن جماعة من السلف [الّذين (٤)] يؤمن منهم القول برأي كوفيّ أو بصريّ ، ولأن القراءة بالرواية لا بالرأي ؛ إجماعاً خصوصاً السبعة ، وإلّا فما بال إمام الكوفية الكسائي لم يقرأ بقراءة حمزة ، وكذا غيره من قرّاء الكوفة؟
__________________
(١) النساء : ١.
(٢) أي والجرّ حاصل بها.
(٣) شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦.
(٤) في المخطوط : (الذي).