هذا ، ونحن لا نسلّم مشابهة الضمير المجرور للتنوين ؛ لأن معاقبته له ممنوعة : أما إذا كان العامل فيه حرفاً ، فواضح ؛ إذ التنوين لا يدخل الحرف.
وأما إذا كان اسماً ، فلأن عمل المضاف في المضاف إليه إنّما هو لنيابته عن الحرف ، وقيل : للحرف (١) ، ولأن المضاف إليه من شأنه معاقبة تنوين المضاف ظاهراً كان أو ضميراً ، فلو كانت المعاقبة تُشابهُ بينهما فتمنع من العطف عليه لكان الظاهر مشابهاً للتنوين ؛ لأنه يعاقبه وشديد الاتّصال بجارّه ؛ فيمتنع العطف عليه إذن.
وأما كونه على حرف مثله ، فلو كان يُشابه بينهما ، فيمنع من العطف عليه ، لشابه بينهما حال كون الضمير مرفوعاً ، فمنع من العطف عليه ولو أكّد أو فصل ؛ إذ فصله وتوكيده لا يخرجانه عن كونه على حرف واحد.
وأمّا شدّة الاتّصال بالعامل فالمُظهَر والمضمر فيه شرع سواء ، بل كلّ ضمير متّصل شديد الاتصال بعامله لا يجوز فصله منه ؛ مرفوعاً كان ، أو منصوباً ، أو مجروراً.
فإن قلت : قولهم : (الكوفيّون يجوّزون العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار) يقتضي صحّة الإعادة عندهم ، ومقتضى كلامك إفسادُها رأساً.
قلت : ليس هو كما ذهبت ، بل معناه أنه يجوز لك أن تجعله من عطف الجمل ومن عطف المفردات ، فحيث أعدت الخافض كان من عطف الجمل ، فافهم.
وأجاب المانعون عما ورد من ذلك ، قال بدر الدين بن مالك : ([و (٢)] ما ورد منه في السماع محمول على شذوذ إضمار الجار ، كما في نحو (ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة) (٣) ، ونحو : امرر ببني فلان إلا صالح فطالح) (٤) ، انتهى.
__________________
(١) أي أن العامل في المضاف إليه هو نيابة المضاف إليه عن الحرف الخافض ، أو هو الحرف المقدّر على القول بأن الإضافة إما أن تكون ظرفيّة أو بيانيّة أو تمليكيّة تحقيقاً أو تنزيلاً.
(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : (إن من).
(٣) هذا مثل يضرب في مواضع التهمة. ويراد به : أن هذا الشيء وإن أشبه ذاك في الظاهر ، لكنه في الحقيقة والباطن خلافه. انظر : مجمع الأمثال ٣ : ٢٧٥ / ٣٨٦٨ ، جمهرة الأمثال ٢ : ٢٢٩ / ١٢٢٧.
(٤) شرح ألفيّة ابن مالك : ٥٤٦.