جمادى الآخرة وأنها ليلة ابتداء الحمل برسول الله صلىاللهعليهوآله. ذكر محمّد بن بابويه في الجزء الرابع من كتاب (النبوّة) في أواخره حديث أن الحمل بسيّدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة) (١) ، انتهى.
وأقول : أمر النسيء وبناء هذا الإشكال عليه شيء لم يقم عليه دليل شرعيّ ، وإنّما ذكره العامّة ومن ثَمّ توقّف شيخنا في دفع هذا الإشكال به. ولكن ما نقله المجلسيّ عن بعض الأفاضل جواب سديد متين ، والاعتراف له بالفضل يكفي بالوثوق بنقله. وليس مجاهد بأوثق منه وإن كان نقل المجلسيّ عن ابن شهرآشوب في مناقبه (٢) أن الحمل به كان ليلة عرفة يؤيّد الأوّل ، ولكنه تفرّد به ولم يقم عليه دليل مع شدّة بعده كالأوّل. وأما حمل مجاهد الحديث من قوله صلىاللهعليهوآله في خطبة عرفة) ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض … (إلى آخره ، فكلام في غاية السقوط ، وما أحقّه بقول الشاعر :
ولا تحرزُ السبقَ الروايا وإن جرت |
|
ولا يبلغُ الغاياتِ إلّا سبوقها |
ويمكن أنه صلىاللهعليهوآله أراد بذلك ما أشار إليه في الحديث الآخر من قوله بعثت والساعة كهاتين ؛ فإنّه صلىاللهعليهوآله نبيّ الساعة ، وقد أشار في تلك الخطبة المباركة إن سلسلة البدء الكلّيّ قد انتهت ببعثته ، فبعثته أوّل قوس العود الكلّيّ ، والنهايات تصف البدايات ، والغايات تجمع المقدّمات ، فحكاية قوس البدء ظهرت به صلىاللهعليهوآله ، فإنّه أوّل العابدين وبداية كلّ نهاية ، وأوّل الفيوض والحجّة قبل الخلق.
فبظهور بعثته الحسّيّة يظهر حكايات ابتداء الزمان وأوّل الخلق ، فهو بداية أبداً ، كما أنه نهاية أبداً ، والواقف على بدء الخلق أبداً ؛ ولذا لمّا رجع ليلة المعراج إلى تلك البدايات ووقف على بدء خلق الدنيا في تلك الدرجات صلّى بالملائكة الظهر ،
__________________
(١) الإقبال بالأعمال الحسنة : ٦٢٣ (حجري) ، وفي النسخة المطبوعة من الإقبال أنه (جمادى الاولى). انظر الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ١٦٢.
(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ٥٣.