لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عَلَيَّ فيكم ، إذ هبط عليّ جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على ما في نفسك ، وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة وهنّأك العطيّة بأنْ جعلهم وذرّيّاتهم ومحبيّهم وشيعتهم معك في الجنّة لا يفرّق بينك وبينهم ؛ يُحْبَوْنَ كما تُحْبَى (١) ، ويعطون كما تعطى حتّى ترضى وفوق الرّضا ، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملّتك ويزعمون أنّهم من أمّتك ، براءٌ من الله ومنك ، خبطا خبطا (٢) وقتلاً قتلاً ، شتّى مصارعهم ، نائية قبورهم ، خيرة من الله لهم ولك فيهم ، فاحمد الله عزّ وجلّ على خيرته وارضَ بقضائه ، فحمدتُ الله ورضيتُ بقضائه بما اختاره لكم.
ثمّ قال لي جبرئيل : يا محمّد إنّ أخاك مضطهدٌ بعدك مغلوب على أمّتك ، متعوب من أعدائك ، ثمّ مقتول بعدك ؛ يقتله أشرّ الخلق والخليقة وأشقى البريّة ، يكون نظير عاقر الناقة ، ببلدٍ تكون إليه هجرته ، وهو مَغْرِسُ شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كلّ حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم.
وإنّ سبطك هذا ـ وأومأ بيده إلى الحسين عليهالسلام ـ مقتول في عصابة من ذريّتك وأهل بيتك وأخيار من أمّتك بضفّة الفرات (٣) بأرض يقال لها : كربلا ، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذرّيتك في اليوم الّذي لا ينقضي كرْبُهُ ولاتفنى حسرته ، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمةً ، وإنّها من بطحاء الجنّة ، فإذا كان ذلك اليوم الّذي يقتل فيه سبطك وأهله ، وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة ، تزعزعت الأرض من أقطارها ،
________________
١ ـ من الحباء وهو العطاء بلا منّ ولا جزاء. وفي نسخة بدل : يُحَيَّون كما تُحَيَّى.
٢ ـ خبط خبطا : ضرب ضربا شديدا. لسان العرب ٧ : ٢٨٠.
٣ ـ الضّفة من النهر : جانبه ، ومن البحر : ساحله. لسان العرب ٩ : ٢٠٧.