إنَّ الّذي يتعامل مع القضايا تعاملاً مادّيّا لا يُمكنه أن يُدرك هذه الأُمور الغيبيّة ، بل يدركها الإنسان المؤمن المخلص عند الله ، لأنّ رسول الله والأئمّة من آله حينما أمرونا بالسلام عليهم وزيارتهم ، كانوا هادفين بكلامهم ، فلا شكّ أنّ تلك الزيارات تُوثّق الارتباط بين المؤمنين وقادتهم الروحيّين ، وأنّ ذلك يعود بالنفع عليهم ، وأنّ السلام على الرسول وجوابه ليس بالأمر المستبعد والشيء المُستحيل ، وهو كضيافة الله لعباده في شهر رمضان ، والّتي لا تشابه ضيافة النّاس بعضهم لبعض.
وهكذا مفهوم كون الرسول شهيداً على النّاس بعد أربعة عشر قرنا من وفاته بحيث يرى أعمالهم ، وتعرض عليه تلك الأعمال ، فلا يُمكنهم فهمه ودركه ، في حين أنّ القرآن الكريم والسّنة المطهّرة أكّدا على ذلك في عدّة آياتٍ؛ قال سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) (١) وقال تبارك وتعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢) ، وقال تعالى : (قُلْ كَفَى بِاللّه شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (٣).
فسؤالنا هو : هل شهادة الرسول ورؤيته للأعمال مختصّتان بعصر الصحابة ، أم لهما الشموليّة لكلّ الأزمان والأمكنة وجميع الأجيال؟
بل ما يعني قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا الله
________________
١ ـ البقرة : ١٤٣.
٢ ـ التوبة : ١٠٥.
٣ ـ الرعد : ٤٣.