فلمّـا قدم المدينة أتته الأنصار ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّ الله ـ جلّ ذكره ـ قد أحسن إلينا وشرّفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا ، فقد فرّح الله صديقنا وكبت عدوّنا ، وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تُعطيهم فيشمت بك العدوّ ، فنحبّ أن تأخذ ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة تجد ما تُعطيهم.
فلم يردّ رسول الله صلىاللهعليهوآله عليهم شيئا ، وكان ينتظر ما يأتيه من ربّه ، فنزل جبرئيل عليهالسلام : (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ولم يقبل أموالهم.
فقال المنافقون : ما أنزل الله هذا على محمّد ، وما يريد إلاّ أن يرفع بضبع ابن عمّه ويحمل علينا أهل بيته ، يقول أمس : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، واليوم (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
ثمّ نزلت عليه آية الخمس ، فقالوا : يريد أن يُعطيهم أموالنا وفيئنا ، ثمّ أتاه جبرئيل فقال : يا محمّد ، إنّك قد قضيت نبوّتك واستكملت أيّامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة عند عليّ ، فإنّي لم أترك الأرض إلاّ ولي فيها عالم تُعرف به طاعتي ، وتُعرف به ولايتي ، ويكون حجّة لمن يولد بين قبض النبيّ إلى خروج النبيّ الآخر.
قال : فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة ، وأوصى إليه بألف كلمةٍ وألف بابٍ يَفتحُ كلّ كلمةٍ وكلّ بابٍ ألف كلمةٍ وألف بابٍ (١).
اُنظر إلى الترابط بين آية البلاغ وآية المودّة وما كان يريده الله ورسوله من بيانهما ، وهو الإيمان بالولاية ولزوم اتباع الوصي وأنّ ذلك يساو عند الله أجر کل الرسالة ، وأن بيان ذلك عل لسان رسوله کان يخيف المنافقين
________________
١ ـ الكافي ١ : ٢٩٥ / ٣ ، وعنه في غاية المرام ٢ : ٣٣٦ ، وانظر تفسير نور الثقلين ١ : ٥٦٣ / ٢٩٢ مختصرا و ٤ : ٥٧٣.