(عليه السلام) وأهله ، غير مُبالية بما هنالك مِن ضائقة عدوٍّ ، أو حصار ، أو عُطاش ؛ إذ كانت تنظر في وجه الحسين (عليه السّلام) تراه هشاً بشَّاً ، فتزداد به أملاً.
وكلَّما ازداد الإنسان أملاً ، ازداد نشاطاً وعملاً ، وفي بَشاشة وجه الرئيس أثراً كبيراً ، في قوَّة آمال الأتباع ، ونشاط أعصابهم ، غير إنَّ زينب باغتت أخاها الحسين (عليه السّلام) في خبائه ليلة مَقتله ؛ فوجدته يَصقل سيفاً له ، ويقول :
يا دهرُ أُفٍّ لك مِن خَليل |
|
كمْ لك بالإشراق والأصيل |
مِن صاحبٍ وطالبٍ قتيلِ |
|
والأمر في ذاك إلى الجَليل |
إلى آخره.
والمَعنى : يا دهرُ ، كمْ لك مِن صاحب قَتيلٍ في مَمَرِّ الإشراق والأصيل ، فأُفٍّ لك مِن خَليل.
ذُعِرت زينب ، عند تَمثُّل أخيها بهذه الأبيات ، وعَرفت أنَّ أخاها قد يَئس مِن الحياة ، ومِن الصُّلح مع الأعداء ، وأنَّه قَتيل لا مَحالة ، وإذا قُتِل فمَن يكون لها؟ والعيال والصِبيَة في عَراء وغُربة ، وألدُّ الأعداء مُحيط بهم ، ومُتربِّص لهم الدوائر ؛ لهذه ولتلك ، صرخت أخت الحسين (عليه السّلام) نادبة أخاها ، وتمثَّل لديها ما يَجيء عليها ، وعلى أهله ورحله بعد قتله ، وقالت : اليوم مات جَدِّي ، وأبي ، وأُمِّي ، وأخي ؛ ثمَّ خَرَّت مَغشيَّاً عليها ، إذ غابت عن نفسها ، ولم تَعد تَملك اختيارها ، فأخذ أخوها الحسين (عليه السّلام) رأسها في حِجره يَرشُّ على وجهها مِن مَدامعه ، حتَّى أفاقت وسَعد بصرها بنظرةٍ مِن شَقيقها ، وأخذ يُسلِّيها ، وبعض التسلية تورية.