فقال (ع) : «يا أُختاه ، إنَّ أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يَبقون ، فلا يبقى إلاَّ وجهه ، وقد مات جَدِّي وأبي وأُمِّي وأخي ، وهم خيرٌ مِنِّي ، فلا يَذهبنَّ بحِلمك الشيطان».
ولم يَزل بها ، حتَّى أسكن بروحه روعها ، ونشَّف بطْيب حديثه دمعها ، ولكنْ في المَقام سرٌّ مَكتوم.
فإنَّ زينب ، تلك التي لم تَستطع أنْ تَسمع إشارة مِن نَعي أخيها وهو حَيٌّ ، كيف تَجلَّدت في مَذبح أخيها وأهلها بمشهد منها ، ورأت رأسه ورؤوسهم مرفوعة على القَنا ، وتلعب بها صبيان كالأُكر ، وينكت ابن زياد ويزيد بثنايا أخيها ، بين المَلأ بالقضيب ، إلى غير ذلك مِن مَصائب ، لا تُطيق رؤيتها الأجانب ، فَضلاً عن أمسِّ الأقارب.
فليتَ شِعري ، ما الذي حَوَّل ذلك القلب الرقيق ، إلى قَلبٍ أصلد وأصلب مٍن الصخر الأصمِّ؟ نعمْ ، كانت شَقيقة الحسين (عليه السّلام) أُخته بتمام معاني الكلمة ، فلا غَرو إنْ شاطرت سيَّدة الطفِّ زينب ، أخاها الحسين (عليه السّلام) في الكوارث وآلام الحوادث ، فقد شاطرته في شرف الأبوين ، ومواريث الوالدين خَلقاً وخُلقاً ومَنطقاً.
وعليه ، فإنَّها على رِقَّة عواطفها ، وسرعة تأثُّرها ، تَمكَّنت مِن تبديل حالتها ، والاستيلاء على نفسها بنفسها مِن حين ، ما أوحى إليها الحسين (عليه السّلام) بأسرار نهضته ، وآثار حركته ، وإنَّه لابُدَّ أنْ يَتحمَّل أعباء الشهادة ، وما يتبعها مِن مَصائب ومَصاعب ، في سبيل نُصرة المِلَّة ، وإحياء شريعة جَدِّه ، وشعائر مَجده.
لكنَّه سيَّار يَطوي السُّرى ، إلى حَدّ مَصرعه في كربلاء ، ثمَّ لابُدَّ وأنْ تنوب هي عن أخيها ، في تَحمُّل المَشاقِّ ، ومُكابَدة الآلام ، مِن كربلاء إلى