السلام) ، وقد عَجِم الحسين (عليه السّلام) عْودَهم ، واختبر حُدودهم ، وكسب منهم الثقة البليغة ، وأسفرت امتحاناته كلُّها عن فوزه بصحب أصفياء ، وإخوان صِدق عند اللقاء ، قلَّ ما فاز أو يفوز بأمثالهما ناهض ، فلا نَجِد أدنى مُبالغة في وصفه لهما عندما قال : «أمّا بعد ، فإنِّي لا أعلم أصحاباً خيراً مِن أصحابي ، ولا أهل بيت أبرَّ وأوفى مِن أهل بيتي».
وكان الفضل الأكبر في هذا الانتقاء ، يعود إلى حُسْن انتخاب الحسين (عليه السّلام) ، وقيامه بكلِّ وجائب الزعامة والإمامة ، وقيام الرئيس بالواجب يقود المرؤوسين إلى أداء الوجائب ، واعتصام الزعيم بمبدأه القويم ، يسوق الأتباع بالطبع إلى شِدَّة التمسُّك ، بالمبدأ ، والمَسلك ، والغاية.
فكان سُرادق الحسين (عليه السّلام) ـ بما فيه مِن صَحبٍ وآلٍ ، ونساءٍ وأطفالٍ ، كالماء الواحد ، لا يفترق بعضه عن بعض ؛ فكان كلٌّ منهم مُرآة سيِّده الحسين (عليه السّلام) بحاله ، وفِعاله ، وأقواله ، وكانوا يفتدونه بأنفسهم ، كما كان يتمنَّى القتل لنفسه قبلهم ودونهم ، وأخيراً توفَّقوا إلى إرضاء سيِّدهم بأنْ يتقدّموا إلى جهاد أدبيٍّ ، في زيِّ دفاعٍ حربيٍّ ، واحداً بعد واحد ، فيُعلنوا بالمبادئ العلويَّة ، وينشروا الدعوة الحسينيَّة ، إرشاداً للجاهلين ، وعِظةً للجاحدين ، وإيقاظاً للغافلين (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). حتَّى لو أثَّرت عِظاتُهم المُتواترة (كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ). وإنْ قُتلوا ، فسبيلهم سبيل مَن قبلهم مِن الأنبياء والمُصلحين إلى رَوحٍ وريحان ، وجَنَّةٍ ورضوان ؛ فيستريحون مِن آلام الحياة الدنيا الفانية ، ويَسعدون بحياة راقيةٍ باقية ، فإذا كانت هذه