الحائر ، وسَدُّوا في وجهه مَنافذ خروجه ، وافترقوا عليه أربع فِرَق ، مِن جهاته الأربع : فِرقة بالسيوف ، وهم الأدنون منه. وفِرقة بالرماح ، وهم الجَوّالة حوله. وفِرقة بالنِّبال ، وهم الرماة مِن أعالي التِّلال. وفِرقة بالحِجارة ، وهم الرَجَّالة المُنبثَّة حوالي الخَيَّالة.
وأثخنوا جثمان سِبط النبي (صلَّى الله عليه وآله) بالجروح الدامية ، وأكثرها في مَقاديمه ، وأضحى جِلده كالقُنفذ ، وكلَّما تمايل ليهوي إلى الأرض توازن معه فرسه ، وكانت مِن الجياد الأصائل حتَّى إذا ضَعف الفرس أيضاً ، بما أصابها مِن الجروح خَرَّ مِن سَرجه على وجهه ، وأقبل فرسه نحو مُخيَّمه يَصهل ويُحمحِم ، فخرجت زينب مِن فِسطاطها ، واضعة عشرة أصابعها على رأسها ، قائلة : ليتَ السماء أطبقتْ على الأرض ، وليتَ الجبال تَدكدكت على السهل.
ثمَّ صاحت بابن سعد ، قائلة : يا عمر ، أُيقتَل أبو عبد الله ، وأنت تَنظر إليه؟! فدَمِعت عينا عمر ، وسالت دموعه على لِحيته ، لكنَّه صرف بوجهه عنها.
ثمّ أقبل شِمر على الحسين (عليه السّلام) يُحرِّض الجيش عليه ، والحسين يَحمِل عليهم ؛ فينكشفون عنه ، وهو يقول :
«أعلى قتلي تجتمعون؟! وأيْمَ الله ، إنِّي أرجو أنْ يُكرِمني الله بهوانكم ، ثمَّ يَنتقِم لي منكم ، مِن حيث لا تَشعرون ، أما والله ، لو قتلتموني ؛ لألقى الله بأسَكم بينكم ، ثمَّ لا يرضى بذلك حتَّى يُضاعِف لكم العذاب الأليم».
ولم يَزل يُدافِع عن نفسه ، وقد قاتلهم راجِلاً قتال الفارس المِغوار ، يتَّقي الرَّمية ، ويفترص العَوار ، لكنَّه يقوم ويكبو والرَجَّالة تَفرُّ مِن بين يديه ، ثمَّ تَكرُّ عليه.