وأنّ الخفيف والثقيل سَيَّان في الميزان ، فهل يَسوغ بعد هذا كلِّه سكوته وسكونه؟ كلاَّ ثمَّ كلاَّ!
وقد يزعم البُسطاء : أنَّ الحسين (عليه السّلام) لو استعمل التقيَّة ، وصافح يزيد ، لاتَّقى ببيعته شَرّ أُميَّة ، ونجا مِن مَكرها ، وصان حُرمته ، وحفظ مُهجته ، لكنَّ ذلك وَهمٌ بعيد.
فإنّ يزيد المُتجاهر بالفُسوق ، لا يُقاس بمُعاوية الداهية المُتحفِّظ ، فبيعة مِثل الحسين (عليه السّلام) ، لمِثل يزيد ، غير جائزة بظاهر الشريعة ؛ ولذلك تخلَّف عن بيعته سعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمان بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير أيضاً ، فأنكروا على مُعاوية استخلاف يزيد ، وامتنعوا عن بيعته حتَّى فارقوا الحياة ، وكان سيدنا الحسين (عليه السّلام) أولى بهذا الامتناع والإنكار ، وأمَّا مع غَضِّ النظر عن التكليف الشرعي ، ومُطالبة وجه غير التمسُّك بظواهر الكتاب والسُّنَّة ، فنقول :
إنَّ التحري في الوثائق التاريخيَّة ، والكتب المُعتبرة ؛ يؤدِّي إلى الاعتقاد بأنَّ سيِّدنا الحسين (عليه السّلام) ، كان يعلم أنَّ خصومه مِن بَني أُميَّة ، مُنطوون على نيَّة التشفِّي مِن قتله (بايع أو لم يُبايع) ، وقد صَرَّح في مواطنَ عِدَّة : بأنَّ بَني أُميَّة غير تاركيه ، حتَّى لو كان في جِحر ضَبٍّ لاستخرجوه وقتلوه.
قال العَكرمي في (بَطن عقبه) : «ليس يَخفى عليَّ الرأي ، ولكنَّهم لا يدعونني ، حتَّى يُخرجوا هذه العَلقة مِن جوفي». وأكَّد ابن زياد نيَّة التشفِّي مِن قَتْل الحسين (عليه السّلام) ، في كتابه لابن سعد ، قائلاً : حِلْ بين الحسين وأصحابه ، وبين الماء ، فلا يذوقوا مِنه قَطرة ، كما صُنِع بالتقيِّ