ولكنْ لم يدخلوا معه ، فاستقبله الوليد بالترحاب والآداب ، ومروان جالسٌ مُتغيِّرٌ ، تكاد تقرأ ما في قلبه مِن سحنات وجهه ، وابتدأ الوليد يَنعى مُعاوية ، فاسترجع الحسين (عليه السّلام) ، ثمَّ قال الوليد : إنَّ يزيد استحبَّ اقتراح البيعة عليك ، فماذا ترى؟
فأجابه الحسين (عليه السّلام) : «إنّ البيعة تَحْسُن مِن مِثلي ، لمِثل يزيد أنْ تكون علانيةً ، وبمِلأٍ مِن الناس ، فالأوْلى أنْ تؤجِّلها إلى مَوعد اجتماع الناس في المَسجد».
فأجابه الوليد ، بكلِّ لِيْنٍ وتساهُل ، غير أنَّ مروان عكَّر صَفو السِّلْم ، وقال : يا أمير ، لا تدعْ حسيناً يخرج مِن عندك بلا بيعة ، فيكون أولى مِنك بالقوَّة ، وتكون أولى منه بالضُّعف ، فاحبِسه حتَّى يُبايع ، أو تَضرب عُنقه.
فوثب عندئذٍ حسينُ المَجد ، قائلاً : «يابن الزرقاء ، أنت تقتلني أم هو؟! كَذِبت والله ولئِمت». ثمَّ انصرف هو وبنو هاشم.
كان الوليد ومروان كِلاهما يَبغيان إخضاع الحسين (عليه السّلام) ليزيد ، ولكنْ ذاك بالسياسة ، وهذا بالتهديد.
وكأنَّ الوليد أراد أنْ يَستميل قلب الحسين (عليه السّلام) ، ويسترقَ مِن لسانه كلمة القَبول ، ولو سُرّاً ؛ لعلمه أنّ الحسين (عليه السّلام) ، رجُلُ الصِّدق والثَّبات ؛ فلا يَعدل عن كلمته ، وليس بذي لسانين : إسرار ، وإجهار ، ولا ذا وجهين : مُحضر ، ومَغيب.
وأمَّا مروان ، فكأنَّه علم أنَّ المسلمين ، إذا اجتمعوا في مسجد النبي بين قبره ومِنبره ، وحضر لديهم ريحانة النبي ، وبنو هاشم وقوف ، وبنو الأنصار جلوس ؛ فإنّ المؤثِّرات المعنويَّة ، والحِسيَّة لا تُسفِر إلاَّ عن البيعة للحسين ، وخُسران صَفقة يزيد.