فإنّ ذلك ليس إلاّ تحريفاً للحقائق من وجه آخر ، فكيف يُدّعى على أُمّة أنّها لم تعرف سبط نبيّها بعد «خمسين سنة» فقط من وفاته؟! فعليها العفاءُ من اُمَّة! وبالخصوص أهل الكوفة الّذين عاش الحسين (عليه السّلام) بينهم طوال خمس سنين ، مدّة وجود أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) في الكوفة (٣٦ ـ ٤٠ هـ) فما أغباهم من أُمّة لو نسوا ابن إمامهم بعد (عشرين) سنة فقط؟!
إنّه عذرٌ أقبح من الجرم بمّرات!
ومع هذا فإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) قطع أوتار هذا العُذْر ، فوقفَ كما وقفَ الأنبياء ، والدعاة إلى الله ، ناصحاً ، ومعرّفاً بنفسه ، ومتمّاً للحّجة عليهم.
قال الرواة : لمّا نزلَ عمر بن سعد بحسين ، وأيقنَ أنّهم قاتلوه ، قامَ الحسين (عليه السّلام) في أصحابه خطيباً ، فحمدَ الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
[٢٧١] : «قد نزل بنا ما ترونَ من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تغيّرتْ وتنكّرتْ وأدبر معروفها ، واستمْرَتْ حتّى لم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، إلاّ خسيس عيش (١) كالمرعى الوبيل.
ألا ترونَ الحقَّ لا يُعمل به والباطلَ لا يُتناهى عنه؟!
ليرغبَ المؤمنُ في لقاء الله.
وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادةً ، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً» (٢).
____________________
(١) في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور : حشيش عَلَس.
(٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٦.