والذي أظنّه أنّ منشأ ذلك التقوّل على العبّاس أنّه أوقفهم السّير على قوله لإخوته : لا ولد لكم. من غير رويّة وتفكير في غرضه ومراده ، فحسبوه أنّه يُريد الميراث ، فنّوه به واحد باجتهاده أو احتماله ، وحسبه الآخرون رواية فشوّهوا به وجه التاريخ ، ولم يفهموا المراد ، ولا أصابوا شاكلة الغرض ؛ فإنّ غرضه من قوله : لا ولد لكم تُراقبون حاله بعدكم ، فأسرعوا في نيل الشهادة والفوز بنعيم الجنان.
على أنّ شيخنا العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي في النّقد النّزيه ج ١ ص ٩٩ ، احتمل تصحيف (أرثكم) من (اُرزأ بكم) أو (أرزأكم) ، وليس هذا ببعيد.
وأقرب منه احتمال شيخنا الحجّة ، الشيخ آغا بزرك مؤلّف كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) تصحيف (أرثكم) من (أرثيكم) ، فكأنّه عليهالسلام أراد أوّلاً : أنْ يفوز بالإرشاد إلى ناحية الحقّ ، وثانياً : تجهيز المُجاهدين ، وثالثاً : البكاء عليهم ورثائهم ؛ فإنّه محبوب للمولى تعالى.
ويُشبه قول العبّاس لإخوته قول عابس بن أبي شبيب الشاكري لشوذب مولى شاكر : يا شوذب ، ما في نفسك أنْ تصنع؟ قال : اُقاتل معك دون ابن بنت رسول اللّه حتّى اُقتل. فقال : ذلك الظنّ بك ، فتقدّم بين يدَي أبي عبد اللّه حتّى يحتسبك كما احتسبَ غيرَكَ من أصحابه ، وحتّى احتسبك أنا ؛ فإنّه لو كان معي السّاعة أحدٌ أنا أولى به منك لسرّني أنْ يتقدّم بين يدَي حتّى أحتسبه ؛ فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أنْ نطلب الأجر فيه بكُلِّ ما قدرنا عليه ؛ فإنّه لا عمل بعد اليوم ، وإنّما هو الحساب (١). (الطبري ج ٦ ص ٢٥٤).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٣٨.