الولادة
لقد أشرق الكون بمولد قمر بني هاشم يوم بزوغ نوره من اُفق المجد العلوي ، مُرتضعاً ثدي البسالة ، مُتربّياً في حِجر الخلافة ، وقد ضربت فيه الإمامةُ بعرقٍ نابضٍ ، فترعرع ومزيجُ روحه الشهامة والإباء ، والنّزوع عن الدَّنايا ، وما شُوهد مُشتدّاً بشبيبته الغضة إلاّ وملء إهابه إيمانٌ ثابت ، وحشوُ ردائه حلم راجح ، ولبّ ناضج ، وعلم ناجع.
فلم يزل يقتصّ أثر السّبط الشهيد عليهالسلام الذي خُلق لأجله ، وكُوّن لأنْ يكون ردءاً له في صفات الفضل ومخائل الرفعة ، وملامح الشجاعة والسّؤدد والخطر. فإنْ خطى سلام اللّه عليه فإلى الشرف ، وإنْ قال فعَن الهُدى والرشاد ، وإنْ رمق فإلى الحقِّ ، وإنْ مال فعَن الباطل ، وإنْ ترفّع فعَن الضيم ، وإنْ تهالك فدون الدِّين.
فكان أبو الفضل جامع الفضل والمثل الأعلى للعبقرية ; لأنّه كان يستفيد بلجِّ هاتيك المآثر من شمسِ فَلَكِ الإمامة (حسينُ العلمِ والبأسِ والصلاحِ) ، فكان هو وأخوه الشهيد عليهماالسلام من مصاديق قوله تعالى في التأويل : (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) (١). فلم يسبقه بقولٍ استفاده منه ، ولا بعملٍ أتبعه فيه ، ولا بنفسيَّةٍ هي ظلّ
__________________
(١) سورة الشمس / ١ ـ ٢.