عثرةُ التأريخ
لقد كان من نفوذ بصيرة العبّاس عليهالسلام أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه ، والجهاد البالغ حدّه حتّى راقه أنْ يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج ، والدعوة إلى السّعادة الخالدة في رضوان اللّه الأكبر ، وأنْ يحظى باُجور الصابرين على ما يَلمّ به من المصاب بفقد الأحبّة ، فدعا إخوته من اُمّه وأبيه ، وهم : عبد اللّه ، وجعفر ، وعثمان ، وقال لهم : تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله ؛ فإنّه لا ولد لكم (١).
فإنّه أراد بذلك تعريف إخوته حقّ المقام ، وأنّ مثولهم بهذا الموقف لم يكنْ مصروفاً إلاّ إلى جهة واحدة ، وهي : المفادات والتضحية في سبيل الدِّين ، إذ لم يكن لهم أي شائبة أو شاغلة تلهيهم عن القصد الأسنى من عوارض الدنيا ؛ من مراقبة أمر الأولاد بعدهم ، ومَن يرأف بهم ويُربِّيهم ، فاللازم حينئذ السّير إلى الغاية الوحيدة ، وهي : الموت دون حياة الشريعة المُقدّسة ، فكانوا كما شاء ظنُّه الحَسَن بهم ، حيث لم يألوا جهداً في الذبِّ عن قُدس الدِّين حتّى قضوا كراماً مُتلفّعين بدم الشهادة.
__________________
(١) الإرشاد للشيخ المفيد ٢ / ٢٠٩ ، مُثير الأحزان لابن نما / ٥٠ ، لواعج الأشجان / ١٧٨.