نشأته
ممّا لا شكّ فيه أنّ لنفسيات الآباء ونزعاتهم ، وكمّياتهم من العلم والخطر ، أو الانحطاط والضّعة ، دخلاً تامّاً في نشأة الأولاد وتربيتهم ، إنْ لم نقل إنّ مقتضاهما هو العامل الوحيد في تكيّف نفسيّات النّاشئة بكيفيّاتٍ فاضلة أو رذيلة ، فلا يكاد يرتأي صاحب أيِّ خطّة إلاّ أنْ يكون خَلَفُهُ على خطَّته ، ولا أنّ الخلفَ يتحرّى غير ما وجد عليه سلفه ؛ ولذلك تجد في الغالب مشاكلة بين الجيل الأوّل والثاني في العادات والأهواء ، والمعارف والعلوم ، اللهمّ إلاّ أنْ يسود هناك تطوّرٌ يكبح ذلك الاقتضاء.
وعلى هذا النّاموس يسعنا أنْ نعرف مقدار ما عليه أبو الفضل عليهالسلام من العلم والمعرفة وحُسن التربية ، بنشوئه في البيت العلوي مُنبَثق أنوار العلم ، ومحطّ أسرار اللاهوت ، ومختبأ نواميس الغيب ، فهو بيتُ العلم والعمل ، بيتُ الجهاد والورع ، بيتُ المعرفة والإيمان :
بَيتٌ عَلاَ سَمكَ الضّراحِ رِفعَةً |
|
فَكانَ أعَلاَ شَرفَاً وأمَنعَا |
أعزَّهُ اللّهُ فَما تَهبِطُ فِيْ |
|
كَعبَتهِ الأملاكُ إلاّ خَضعَا |
بَيتٌ مِن القُدسِ ونَاهيِك بِهِ |
|
مَحطُ أسرِارِ الهُدى ومَوضِعَا |
وكَان مأوى المُرتَجي والمُلتَجى |
|
فَما أعزَّ شَأنهُ وأرفَعَا (١) |
وبسيف صاحب هذا البيت المنيع انجلت غواشي الإلحاد ،
__________________
(١) من قصيدة للعلاّمة السيّد محمّد حسين الكيشوان رحمهالله.