وببيانه تقشّعت غيومُ الشُّبَهِ والأوهام.
إذن ، فطبع الحال يدلّنا على أنّ سيّد الأوصياء عليهالسلام لم يبغِ بابنه بدلاً في حُسن التربية الإلهيّة ، ولا أنّ شظية الخلافة يروقه غير اقتصاص أثر أبيه الأقدس ، فلك هاهنا أنْ تُحدّث عن بقيّة أمير المؤمنين عليهالسلام في أيّ ناحية من نواحي الفضيلة ، ولا حرج.
لم تكنْ كُلُّ البصائر في أبي الفضل عليهالسلام اكتسابيّة ، بل كان مُجتبلاً من طينة القداسة التي مزيجُها النّور الإلهي حتّى تكوَّنت في صُلب مَن هو مثال الحقِّ ، ذلك الذي لو كُشف عنه الغطاء ما ازداد يقيناً ، فلم يصل أبو الفضل عليهالسلام إلى عالم الوجود إلاّ وهو معدن الذكاء والفطنة ، واُذنٌ واعيةٌ للمعارف الإلهيّة ، ومادةٌ قابلة لصور الفضائل كُلّها ، فاحتضنه حِجرُ العلم والعمل ، حجرُ اليقين والإيمان ، وعادت أرومته الطيّبة هيكلاً للتوحيد ، يُغذّيه أبوه بالمعرفة ، فتشرق عليه أنوار الملكوت وأسرار اللاهوت ، وتهب عليه نَسماتُ الغيب ، فيستنشق منها الحقائق.
دعاه أبوه عليهالسلام في عهد الصبا وأجلسه في حجره ، وقال له : «قُلْ واحد». فقال : واحد. فقال له : «قُلْ اثنين». قال : استحي أنْ أقولَ باللّسان الذي قُلتُ واحداً ، اثنان (١).
وإذا أمعنّا النّظر في هذه الكلمة ـ وهو على عهد نعومةٍ من أظفاره ، في حين أنّ نظراءه في السّنِّ لا يبلغون إلى ما هو دون ذلك الشأو البعيد ـ فلا نجد بُدّاً من البخوع بأنّها من أشعَّة تلك الإشراقات الإلهيّة ، فما ظنّك إذن حينما يلتقي مع المبادئ الفيّاضة من أبيه سيّد الوصيين عليهالسلام ، وأخويه الإمامين عليهماالسلام سيّدي شباب أهل الجنّة ، فلا يقتني من
__________________
(١) مُستدرك الوسائل ١٥ / ٢١٥ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٧٩.