خزائن معارفهم إلاّ كُلَّ دُرٍّ ثمين ، ودُرّيٍّ لامع؟!
وغير خفيٍّ ما أراده سيّدنا العبّاس عليهالسلام ، فإنّه أشار إلى أنّ الوحدانيّة لا تليق إلاّ بفاطر السّماوات والأرضين ، ويجلّ مثله المتفرّع من دوح الإمامة أنْ يجري على لسانه النّاطق بالوحدانيّة لباري الأشياء صفة تنزَّه عنها سبحانه وتعالى ، وعنها ينطق كتابه المجيد : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدَتَا) (١).
وممّا زاد في سرور أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام أنّ زينب العقيلة كانت حاضرة حينذاك ، وهي صغيرة ، فقالت لأبيها : أتحبّنا؟ قال : «بلى». فقالت : لا يجتمع حُبّان في قلب مؤمن : حبُّ اللّه ، وحبُّ الأولاد ، وإنْ كان ولا بُدّ فالحبّ للّه تعالى والشفقة للأولاد. فأعجبه كلامها وزاد في حُبّه وعطفه عليهما (٢).
أمّا العلم ، فهو رضيع لبانه ، وناهيك في حِجر أبيه مدرسة يتخرّج منها مثل أبي الفضل عليهالسلام! وما ظنّك بهذا التلميذ المُصاغ من جوهر الاستعداد ، وذلك الاُستاذ الذي هو عيبة العلم الإلهي ، وعلبة أسرار النّبوّة ، وهو المُقيّض لنشر المعارف الربوبيّة ، وتعلّم الأخلاق الفاضلة ، ونشر أحكام الإسلام ، ودحض الأوهام والوساوس.
وإذا كان الإمام عليهالسلام يُربّي البُعداء الأجانب بتلك التربية الصحيحة المأثورة حتّى استفادوا منه أسرار التكوين ، ووقفوا على غامض ما في النّشأتين ، وكان عندهم بواسطة تلك التربية علم المنايا والبلاي ، كحبيب بن مظاهر وميثمِ التمّار ، ورشيد الهجري وكميل بن زياد ، وأمثالهم ; فهل من المعقول أنْ يذر قرّة عينه ، وفلذة كبده خلوّاً مِن
__________________
(١) سورة الأنبياء / ٢٢.
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٧٩ باختلاف الألفاظ ، وفي مستدرك الوسائل ١٥ / ٢١٥ قال ، وقيل : بل القائل الحُسسين عليهالسلام.