نوعيّة ، كالظلم ، فيدرك العقل بما هو عقل ذلك ويستتبع ذمّا من جميع العقلاء. فهذا المدح والذمّ إذا تطابقت عليه آراء جميع العقلاء باعتبار تلك المصلحة أو المفسدة النوعيّتين ، أو باعتبار ذلك الكمال أو النقص النوعيّين فإنّه يعتبر من الأحكام العقليّة التي هي موضع النزاع. وهو معنى الحسن والقبح العقليّين الذي هو محلّ النفي والإثبات. وتسمّى هذه الأحكام العقليّة العامّة «الآراء المحمودة» و «التأديبات الصلاحيّة». وهي من قسم القضايا المشهورات التي هي قسم برأسه في مقابل القضايا الضروريّات. فهذه القضايا غير معدودة من قسم الضروريّات ، كما توهّمه بعض الناس (١) ومنهم الأشاعرة ، كما سيأتي في دليلهم (٢). وقد أوضحت ذلك في الجزء الثالث من المنطق في مبادئ القياسات ، فراجع (٣).
ومن هنا يتّضح لكم جيّدا أنّ العدليّة ـ إذ يقولون بالحسن والقبح العقليّين ـ يريدون أنّ الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة المعدودة من التأديبات الصلاحيّة ، وهي التي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء.
والقضايا المشهورة ليس لها واقع وراء تطابق الآراء ـ أي إنّ واقعها ذلك ـ. فمعنى حسن العدل أو العلم عندهم أنّ فاعله ممدوح لدى العقلاء ، ومعنى قبح الظلم والجهل أنّ فاعله مذموم لديهم. (٤)
ويكفينا شاهدا على ما نقول ـ من دخول أمثال هذه القضايا في المشهورات الصرفة التي لا واقع لها إلاّ الشهرة ، وأنّها ليست من قسم الضروريّات ـ ما قاله الشيخ الرّئيس في منطق الإشارات : «ومنها الآراء المسمّاة بالمحمودة. وربّما خصّصناها باسم المشهورة ؛ إذ لا عمدة لها إلاّ الشهرة ، وهي آراء لو خلّي الإنسان وعقله المجرّد ووهمه وحسّه ولم يؤدّب بقبول قضاياها والاعتراف بها ... لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو
__________________
(١) كقطب الدين الرازي في تعليقاته على شرح الإشارات ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٠.
(٢) يأتي في الصفحة : ٢٣٩.
(٣) المنطق ٣ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦.
(٤) ولا ينافي هذا أنّ العلم حسن من جهة أخرى وهي جهة كونه كمالا للنفس ، والجهل قبيح لكونه نقصانا. ـ منه رحمهالله ـ.