حسّه ، مثل حكمنا بأنّ سلب مال الإنسان قبيح ، وأنّ الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه ...» (١). وهكذا وافقه شارحها العظيم الخواجه نصير الدين الطوسي (٢).
الثالث : ومن أسباب الحكم بالحسن والقبح «الخلق الإنسانيّ» الموجود في كلّ إنسان على اختلافهم في أنواعه ، نحو خلق الكرم والشجاعة ، فإنّ وجود هذا الخلق يكون سببا لإدراك أنّ أفعال الكرم ـ مثلا ـ ممّا ينبغي فعلها فيمدح فاعلها ، وأفعال البخل ممّا ينبغي تركها فيذمّ فاعلها.
وهذا الحكم من العقل قد لا يكون من جهة المصلحة العامّة أو المفسدة العامّة ولا من جهة الكمال للنفس أو النقص ، بل بدافع الخلق الموجود.
وإذا كان هذا الخلق عامّا بين جميع العقلاء ، يكون هذا الحسن والقبح مشهورين بينهم تتطابق عليهما آراؤهم. ولكن إنّما يدخل في محلّ النزاع إذا كان الخلق من جهة أخرى فيه كمال للنفس أو مصلحة عامّة نوعيّة ، فيدعو ذلك إلى المدح والذمّ. ويجب الرجوع في هذا القسم إلى ما ذكرته من «الخلقيّات» في المنطق (٣) لتعرف توجيه قضاء الخلق الإنسانيّ بهذه المشهورات.
الرابع : ومن أسباب الحكم بالحسن والقبح «الانفعال النفسانيّ» ، نحو الرقّة والرحمة والشفقة والحياء والأنفة والحميّة والغيرة ... إلى غير ذلك من انفعالات النفس التي لا يخلو منها إنسان غالبا.
فنرى الجمهور يحكم بقبح تعذيب الحيوان اتّباعا لما في الغريزة من الرقّة والعطف. والجمهور يمدح من يعين الضعفاء والمرضى ويعني برعاية الأيتام والمجانين بل الحيوانات ؛ لأنّه مقتضى الرحمة والشفقة. ويحكم بقبح كشف العورة والكلام البذيء ؛ لأنّه مقتضى الحياء. ويمدح المدافع عن الأهل والعشيرة والوطن والأمّة ؛ لأنّه مقتضى الغيرة والحميّة ... إلى غير ذلك من أمثال هذه الأحكام العامّة بين الناس.
__________________
(١) شرح الإشارات ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٠.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المنطق ٣ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.