وكأنّ المسألة ـ فيما يبدو من عنوانها ـ من الأبحاث التافهة (١) ؛ إذ لا يمكن أن نتصوّر النزاع في إمكان اجتماع الأمر والنهى في واحد حتى لو قلنا بعدم امتناع التكليف بالمحال ، كما تقوله الأشاعرة ؛ لأنّ التكليف هنا نفسه محال ، وهو الأمر والنهي بشيء واحد. وامتناع ذلك من أوضح الواضحات ، وهو محلّ وفاق بين الجميع.
إذن ، فكيف صحّ هذا النزاع من القوم؟! وما معناه؟
والجواب أنّ التعبير باجتماع الأمر والنهي من خداع العناوين ، فلا بدّ من توضيح مقصودهم من البحث بتوضيح الكلمات الواردة في هذا العنوان ، وهي كلمة «الاجتماع ، الواحد ، الجواز». ثمّ ينبغي أن نبحث أيضا عن قيد آخر لتصحيح النزاع ، وهو قيد «المندوحة» الذي أضافه بعض المؤلّفين (٢) ، وهو على حقّ. وعليه نقول :
١. «الاجتماع» والمقصود منه هو الالتقاء الاتفاقيّ بين المأمور به والمنهيّ عنه في شيء واحد. ولا يفرض ذلك إلاّ حيث يفرض تعلّق الأمر بعنوان ، وتعلّق النهي بعنوان آخر لا ربط له بالعنوان الأوّل ، ولكن قد يتّفق نادرا أن يلتقي العنوانان في شيء واحد ويجتمعا فيه ، وحينئذ يجتمع ـ أي يلتقي ـ الأمر والنهي.
ولكن هذا الاجتماع والالتقاء بين العنوانين على نحوين :
أ ـ أن يكون اجتماعا مورديّا ، يعني أن لا يكون هنا فعل واحد مطابقا لكلّ من العنوانين ، بل يكون هنا فعلان تقارنا وتجاورا في وقت واحد ، أحدهما يكون مطابقا لعنوان الواجب ، وثانيهما مطابقا لعنوان المحرّم ، مثل النظر إلى الأجنبيّة في أثناء الصلاة ، فلا النظر هو مطابق عنوان الصلاة ولا الصلاة مطابق عنوان النظر إلى الأجنبيّة ، ولا هما ينطبقان على فعل واحد ؛ فإنّ مثل هذا الاجتماع المورديّ لم يقل أحد بامتناعه ، وليس هو داخلا في مسألة الاجتماع هذه ، فلو جمع المكلّف بينهما بأن نظر إلى الأجنبيّة في أثناء
__________________
(١) تفه تفها : قلّ وخسّ. بالفارسيّة : «كم ، ناچيز». والمراد منها «بى مزه».
(٢) أوّل من أخذ قيد «المندوحة» في محلّ النزاع هو المحقّق القميّ ، وإن لم يصرّح به. راجع قوانين الأصول ١ : ١٤٠ و ١٤٢ و ١٥٣.
وأوّل من صرّح بذلك هو صاحب الفصول ، حيث قال : «وإن اختلفت الجهتان وكان للمكلّف مندوحة في الامتثال فهو موضع النزاع». الفصول الغرويّة : ١٢٤.