السيّد الشريف المرتضى رحمهالله ، وجعله بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة (١). وتبعه على ذلك الشيخ ابن إدريس في «السرائر» ، ونقل كلاما للسيّد المرتضى في المقدّمة ، وانتقد في أكثر من موضع في كتابه الشيخ الطوسيّ في عمله بخبر الواحد ، وكرّر تبعا للسيّد قوله : «إنّ خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا». (٢) وكذلك نقل عن الطبرسيّ صاحب «مجمع البيان» قدسسره تصريحه في نقل الإجماع على عدم العمل بخبر الواحد. (٣)
والغريب في الباب وقوع مثل هذا التدافع بين نقل الشيخ والسيّد عن إجماع الإماميّة ، مع أنّهما متعاصران ، بل الأوّل تلمذ على الثاني ، وهما الخبيران العالمان بمذهب الإماميّة ، وليس من شأنهما أن يحكيا مثل هذا الأمر بدون تثبّت وخبرة كاملة.
فلذلك وقع الباحثون في حيرة عظيمة من أجل التوفيق بين نقليهما. وقد حكى الشيخ الأعظم في «الرسائل» وجوها للجمع ، مثل أن يكون مراد السيّد المرتضى من خبر الواحد ـ الذي حكى الإجماع على عدم العمل به ـ هو خبر الواحد الذي يرويه مخالفونا ، والشيخ يتّفق معه على ذلك. (٤)
وقيل : «يجوز أن يكون مراده من خبر الواحد ما يقابل المأخوذ من الثقات المحفوظ في الأصول ، المعمول بها عند جميع خواصّ الطائفة ، وحينئذ يتقارب مع الشيخ في الحكاية عن الإجماع». (٥)
وقيل : «يجوز أن يكون مراد الشيخ من خبر الواحد خبر الواحد ، المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بصدقه ، فيتّفق حينئذ نقله مع نقل السيّد». (٦)
وهذه الوجوه من التوجيهات قد استحسن الشيخ الأنصاريّ منها الأوّل ، ثمّ الثاني. ولكنّه
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥ ؛ الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٢٨ ـ ٥٣١.
(٢) السرائر ١ : ٤٨.
(٣) مجمع البيان ٩ : ١٩٩.
(٤) وهذا ما يظهر من بعض كلمات السيّد المرتضى في رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١.
(٥) وهذا ما قال به الفاضل القزويني في «لسان الخواصّ» على ما في : فرائد الأصول ١ : ١٦١ ـ ١٦٢.
(٦) وهذا ما يظهر من كلام السيّد أيضا في رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣١٢ ، حيث قال ـ معترضا على نفسه ـ : «إذا سددتم ...».