عمله هذا يكون قرينة على مراده من ذلك الكلام ، ومفسّرا له على نحو ما احتمله الشيخ الأنصاريّ.
وعلى كلّ حال ـ سواء استطعنا تأويل كلام السيّد بما يوافق كلام الشيخ أو لم نستطع ـ فإنّ دعوى الشيخ إجماع الطائفة على اعتبار خبر الواحد الموثوق به المأمون من الكذب ـ وإن لم يكن عادلا بالمعنى الخاصّ ، ولم يوجب قوله العلم القاطع ـ دعوى مقبولة ، ومؤيّدة ، يؤيّدها عمل جميع العلماء من لدن الصدر الأوّل إلى اليوم ، حتى نفس السيّد ، وابن إدريس ، كما ذكرنا ، بل السيّد نفسه اعترف في بعض كلامه بعمل الطائفة بأخبار الآحاد ، إلاّ أنّه ادّعى أنّه لمّا كان من المعلوم عدم عملهم بالأخبار المجرّدة ، كعدم عملهم بالقياس فلا بدّ من حمل موارد عملهم على الأخبار المحفوفة بالقرائن ، قائلا : «ليس ينبغي أن يرجع عن الأمور المعلومة المشهورة المقطوع عليها ـ ويقصد بالأمور المعلومة ، عدم عملهم بالظنون ـ إلى ما هو مشتبه ، وملتبس ، ومجمل ـ ويقصد بالمشتبه المجمل ، وجه عملهم بأخبار الآحاد ـ ، وقد علم كلّ موافق ومخالف أنّ الشيعة الإماميّة تبطل القياس في الشريعة ، حيث لا يؤدّي إلى العلم ، وكذلك نقول في أخبار الآحاد». (١)
ونحن نقول للسيّد المرتضى : صحيح أنّ المعلوم من طريقة الشيعة الإماميّة عدم عملهم بالظنون بما هي ظنون ، ولكن خبر الواحد الثقة المأمون وما سواه من الظنون المعتبرة ـ كالظواهر ـ إذا كانوا قد عملوا بها فإنّهم لم يعملوا بها إلاّ لأنّها ظنون قام الدليل القاطع على اعتبارها وحجّيّتها ، فلم يكن العمل بها عملا بالظنّ ، بل يكون ـ بالأخير ـ عملا بالعلم.
وعليه ، فنحن نقول معه : «إنّه لا بدّ في الأحكام الشرعيّة من طريق يوصل إلى العلم بها ؛ لأنّه متى لم نعلم الحكم ونقطع بالعلم على أنّه مصلحة جوّزنا كونه مفسدة» (٢) ، و [لكن] خبر الواحد الثقة المأمون لمّا ثبت اعتباره فهو طريق يوصل إلى العلم بالأحكام ، ونقطع بالعلم ـ على حدّ تعبيره ـ على أنّه مصلحة لا نجوّز كونه مفسدة.
ويؤيّد أيضا دعوى الشيخ للإجماع قرائن كثيرة ، ذكر جملة منها الشيخ الأنصاريّ
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥.
(٢) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٠٢.