وأصرح منه (١) قوله بعد ذلك : «ولذلك أبطلنا في الشريعة العمل بأخبار الآحاد ؛ لأنّها لا توجب علما ولا عملا ، وأوجبنا أن يكون العمل تابعا للعلم ؛ لأنّ خبر الواحد إذا كان عدلا ، فغاية ما يقتضيه الظنّ بصدقه ، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذبا وإن ظننت به الصدق ؛ فإنّ الظنّ لا يمنع من التجويز ، فعاد الأمر في العمل بأخبار الآحاد إلى أنّه إقدام على ما لا نأمن من كونه فسادا ، أو غير صلاح». (٢)
هذا ، ويحتمل ـ احتمالا بعيدا ـ أنّ السيّد لم يرد من «التجويز» ـ الذي قال عنه : إنّه لا يمنع منه الظنّ ـ كلّ تجويز حتى الضعيف الذي لا يعتني به العقلاء ويجتمع مع اطمئنان النفس ، بل أراد منه التجويز الذي لا يجتمع مع اطمئنان النفس ، ويرفع الأمان بصدق الخبر.
وإنّما قلنا : «إنّ هذا الاحتمال بعيد» ؛ لأنّه يدفعه أنّ السيّد حصر في بعض عباراته ما يثبت الأحكام ـ عند من نأى (٣) عن المعصومين ، أو وجد بعدهم ـ في خصوص الخبر المتواتر المفضي إلى العلم وإجماع الفرقة المحقّة ، لا غيرهما. (٤)
وأمّا : تفسيره للعلم بسكون النفس فهذا تفسير شائع في عبارات المتقدّمين ، ومنهم : الشيخ نفسه في «العدّة». (٥) والظاهر أنّهم يريدون من سكون النفس الجزم القاطع ، لا مجرّد الاطمئنان وإن لم يبلغ القطع ، كما هو متعارف التعبير به في لسان المتأخّرين.
نعم ، لقد عمل السيّد المرتضى على خلاف ما أصّله هنا ، وكذلك ابن إدريس الذي تابعة في هذا القول ؛ لأنّه كان كثيرا ما يأخذ بأخبار الآحاد الموثوقة المرويّة في كتب أصحابنا. ومن العسير عليه وعلى غيره أن يدّعي تواترها جميعا ، أو احتفافها بقرائن توجب القطع بصدورها. وعلى ذلك جرت استنباطاته الفقهيّة ، وكذلك ابن إدريس في «السرائر». ولعلّ
__________________
(١) إنّما قلت : أصرح منه ؛ لأنّه يحتمل في العبارة المتقدّمة أنّه يريد من العلم ما يعمّ العلم بالحكم والعلم بمشروعيّة الطريق إليه وإن كان الطريق في نفسه ظنّيّا. وهذا الاحتمال لا يتطرّق إلى عبارته الثانية ـ منه قدسسره ـ.
(٢) السرائر ١ : ٤٧.
(٣) أي بعد.
(٤) راجع رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣١١ ـ ٣١٢ ، والذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥١٧.
(٥) العدّة ١ : ١٢.