لو اطّلعنا عليه ؛ فإنّنا لم نتحقّق جريان هذه القاعدة في المقام ؛ وفاقا لما ذهب إليه الشيخ الأعظم الأنصاريّ (١) وغيره ، (٢) بالرغم من تعويل الشيخ الطوسيّ وأتباعه عليها ؛ (٣) لأنّ السبب الذي يدعو إلى اختفاء الإمام ، واحتجاب نفعه ـ مع ما فيه (٤) من تفويت لأعظم المصالح النوعيّة للبشر ـ هو نفسه قد يدعو إلى احتجاب حكم الله عند إجماع العلماء على حكم مخالف للواقع ، لا سيّما إذا كان الإجماع من أهل عصر واحد. ولا يلزم من ذلك إخلال الإمام بالواجب عليه ، وهو تبليغ الأحكام ؛ لأنّ الاحتجاب ليس من سببه.
وعلى هذا ، فمن أين يحصل لنا القطع بأنّه لا بدّ للإمام من إظهار الحقّ في حال غيبته عند حصول إجماع مخالف للواقع؟
وللمشكّك أن يزيد على ذلك ، فيقول : لما ذا لا تقتضي هذه القاعدة أن يظهر الإمام الحقّ ، حتى في صورة الخلاف ، لا سيّما أنّ بعض المسائل الخلافيّة قد يقع فيها أكثر الناس في مخالفة الواقع؟ بل لو أحصينا المسائل الخلافيّة في الفقه ـ التي هي الأكثر من مسائله ـ لوجدنا أنّ كثيرا من الناس لا محالة واقعون في مخالفة الواقع ، فلما ذا لا يجب على الإمام هنا تبليغ الأحكام ، ليقلّ الخلاف ، أو ينعدم ، وبه نجاة المؤمنين من الوقوع في مخالفة الواقع؟
وإذا جاء الاحتمال لا يبقى مجال لاستلزام الإجماع القطع بقول المعصوم من جهة قاعدة اللطف.
وأمّا : مسلك الحدس ، فإنّ عهدة دعواه على مدّعيها ، وليس من السهل حصول القطع للإنسان في ذلك ، إلاّ أن يبلغ الاتّفاق درجة يكون الحكم فيه من ضروريّات الدين ، أو المذهب ، أو قريبا من ذلك عند ما يحرز اتّفاق جميع العلماء في جميع العصور بغير استثناء ، فإنّ مثل هذا الاتّفاق يستلزم عادة موافقته لقول الإمام ، وإن كان مستند المجمعين خبر الواحد ، أو الأصل.
وكذلك يلحق بالحدس مسلك التقرير ونحوه ممّا هو من هذا القبيل.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٨٤.
(٢) كالمحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٣٣٤.
(٣) العدّة ٢ : ٦٢٩ ـ ٦٣١.
(٤) أي في اختفاء الإمام واحتجابه.