وأمّا : ما ورد عن آل البيت عليهمالسلام من نحو قولهم : «إنّ دين الله لا يصاب بالعقول» (١) فقد ورد في قباله مثل قولهم : «إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ، فأمّا : الظاهرة فالرسل ، والأنبياء ، والأئمّة عليهمالسلام ، وأمّا : الباطنة فالعقول». (٢)
والحلّ لهذا التعارض الظاهريّ بين الطائفتين هو أنّ المقصود من الطائفة الأولى بيان عدم استقلال العقل في إدراك الأحكام ومداركها في قبال الاعتماد على القياس ، والاستحسان ؛ لأنّها واردة في هذا المقام ، أي إنّ الأحكام ومدارك الأحكام لا تصاب بالعقول بالاستقلال ، وهو حقّ ، كما شرحناه سابقا.
ومن المعلوم أنّ مقصود من يعتمد على الاستحسان في بعض صوره هو دعوى أنّ للعقل أن يدرك الأحكام مستقلاّ ، ويدرك ملاكاتها ، ومقصود من يعتمد على القياس هو دعوى أنّ للعقل أن يدرك ملاكات الأحكام في المقيس عليه لاستنتاج الحكم في المقيس.
وهذا معنى الاجتهاد بالرأي. وقد سبق (٣) أنّ هذه الإدراكات ليست من وظيفة العقل النظريّ ، ولا العقل العمليّ ؛ لأنّ هذه أمور لا تصاب إلاّ من طريق السماع من مبلّغ الأحكام.
وعليه ، فهذه الطائفة من الأخبار لا مانع من الأخذ بها على ظواهرها ؛ لأنّها واردة في مقام معارضة الاجتهاد بالرأي ، ولكنّها أجنبيّة عمّا نحن بصدده ، وعمّا نقوله في القضايا العقليّة التي يتوصّل بها إلى الحكم الشرعيّ ، كما أنّها أجنبيّة عن الطائفة الثانية من الأخبار التي تثني على العقل ، وتنصّ على أنّه حجّة الله الباطنة ؛ لأنّها تثني على العقل فيما هو من وظيفته أن يدركه ، لا على الظنون والأوهام ، ولا على ادّعاءات إدراك ما لا يدركه العقل بطبيعته.
الثالثة : بعد فرض عدم إمكان نفي الشارع حجّيّة القطع والنهي عنه يجب أن نتساءل عن معنى حكم الشارع على طبق حكم العقل؟
والجواب الصحيح عن هذا السؤال عند هؤلاء أن يقال : إنّ معناه إدراك الشارع وعلمه
__________________
(١) بحار الأنوار ٢ : ٣٠٣.
(٢) أصول الكافي ١ : ١٦.
(٣) راجع الصفحة : ٤٨٠ ـ ٤٨٢.