بأنّ هذا الفعل ينبغي فعله أو تركه لدى العقلاء. وهذا شيء آخر غير أمره ونهيه. والنافع هو أن نستكشف أمره ونهيه ، فيحتاج إثبات أمره ونهيه إلى دليل آخر سمعيّ ، ولا يكفي فيه ذلك الدليل العقليّ الذي أقصى ما يستنتج منه أنّ الشارع عالم بحكم العقلاء ، أو أنّه حكم بنفس ما حكم به العقلاء ، فلا يكون منه أمر مولويّ ، أو نهي مولويّ.
أقول : وهذه آخر مرحلة لتوجيه مقالة منكري حجّيّة العقل ، وهو توجيه يختصّ بالمستقلاّت العقليّة. ولهذا التوجيه صورة ظاهريّة يمكن أن تنطلي (١) على المبتدئين أكثر من تلك التوجيهات في المراحل السابقة. وهذا التوجيه ينطوي على إحدى دعويين :
١. دعوى إنكار الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وقد تقدّم تفنيدها (٢) في الجزء الثاني (٣) ، فلا نعيد.
٢. الدعوى التي أشرنا إليها هناك في الجزء الثاني (٤). وتوضيحها : أنّ ما تطابقت عليه آراء العقلاء هو استحقاق المدح والذمّ فقط ، والمدح والذمّ غير الثواب والعقاب ، فاستحقاقهما لا يستلزم استحقاق الثواب والعقاب من قبل المولى. والذي ينفع في استكشاف حكم الشارع هو الثاني ، ولا يكفي الأوّل.
ولو فرض أنّا صحّحنا الاستلزام للثواب والعقاب فإنّ ذلك لا يدركه كلّ أحد. ولو فرض أنّه أدركه كلّ أحد فإنّ ذلك ليس كافيا للدعوة إلى الفعل إلاّ عند الفذّ من الناس (٥). وعلى أيّ تقدير فرض ، فلا يستغني أكثر الناس عن توجيه الأمر من المولى ، أو النهي منه في مقام الدعوة إلى الفعل ، أو الزجر عنه.
وإذا كان نفس إدراك الحسن والقبح غير كاف في الدعوة ـ والمفروض [أنّه] لم يقم دليل سمعيّ على الحكم ـ فلا نستطيع أن نحكم بأنّ الشارع له أمر ونهي على طبق حكم
__________________
(١) أي : تنجلي وتنكشف. وهذا استعمال عاميّ يتضمّن معنى «تنجلي».
(٢) أي : تكذيبها.
(٣) راجع المقصد الثاني : ٢٤٤.
(٤) راجع المقصد الثاني : ٢٤٥.
(٥) أي : الفرد الخاصّ من الناس. وفي «س» : «عند الأوحديّ من الناس».