قالوا : وحمل عليهم خالد بن الوليد على الميسرة التي دخلت العسكر ، واضطربت ميمنة المسلمين إلى القلب ، فصارت الميمنة والقلب شيئا واحدا. فقتل هو وخيله نحوا من ستة آلاف. ودخل سائرهم بيوت المسلمين في العسكر مجرّحين. وخرج خالد بن الوليد في خيله يطرد (١) من كان من الروم قريبا من العسكر ، حتى إذا أرادوا أن يمكروا به نادى عند ذلك : يا أهل الإسلام لم يبق عند القوم من الجلد والقتال إلّا ما رأيتم الشدة الشدة ، فو الذي نفسي بيده إني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم قالوا : فاعترض صفوف (٢) الروم وأن في جانبه الذي يستقبل لمائة ألف من الروم فحمل عليهم ، وما هو إلّا في نحو من ألف فارس. قالوا : فو الله ما بلغتهم الحملة حتى فضّ (٣) الله جمعهم ، وشدّ المسلمون على من يليهم من رحالهم فانكشفوا وأتبعهم المسلمون ما يمتنعون من قبل ميمنتهم [ولا ميسرتهم](٤) قالوا : ثم إن خالد انتهى في تلك الحملة إلى الدربيجان وقد قال لأصحابه : لفوني في الثياب ، فلف في الثياب ، وقال : وددت أن الله كان عافاني من حرب هؤلاء القوم ، فلم أرهم ولم يروني ، ولم أنصر عليهم ولم ينتصروا علي ، وهذا يوم شرّ ولم يقاتل حتى غشيه القوم فقتلوه.
قالوا وقال أيضا : قناطر وهو في ميمنة الروم لجرحين (٥) صاحب أرمينية احمل فقال له : أنت تأمرني أن أحمل وأنا أمير مثلك ، فقال له قناطر : أنت أمير وأنا أمير وأنا فوقك وقد أمرت بطاعتي فاختلفا ثم إن قناطر حمل حملة شديدة على كنانة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسّان وهم فيما بين ميسرة المسلمين إلى القلب فكشفوا المسلمين ، وزالت الميسرة عن مصافّها وثبت أهل الرايات وأهل الحفائظ فقاتلوا وركبت الروم أكتاف من انهزم حتى دخلوا معهم العسكر. قال فاستقبلهم نساء المسلمين بعمد الفساطيط يضربون بها وجوههم ويرمونهم بالحجارة ويقلن (٦) : أين أين عز الإسلام والأمهات والأزواج (٧) قال : فيعطف هؤلاء الذين انهزموا إلى المسلمين.
__________________
(١) عن خع وبالأصل «يصرد» وفي ابن حبيش : «يكرد» بمعنى يطرد.
(٢) عن خع وبالأصل «صفوان».
(٣) عن مختصر ابن منظور ١ / ٢١٩ وبالأصل «قبض» ومثله خع.
(٤) زيادة عن خع.
(٥) كذا بالأصل وخع ومختصر ابن منظور ، وفي ابن حبيش : جرجير.
(٦) عن خع وبالأصل : ويقولون.
(٧) كذا بالأصول ، وفي المطبوعة : والأرواح.