في دهليزه رجلا ضريرا ، فقال لي : إنه قد جعل الأذن عليه اليوم إليّ لينفعني ، وأنت رجل جليل ، فقلت له : معي مائة حديث ، وأنا أهب لك عنها مائة درهم ، فقال : قد رضيت ، ودخل فاستأذن لي فدخلت ، وقرأت المائة حديث ، فقال لي أبو معاوية : الذي ضمنته لهذا يأخذه من أذناب الناس ، وأنت من رؤسائهم وهو ضعيف معيل ، وأنا أحب منفعته. قلت : قد جعلتها له مائة دينار. فقال : أحسن الله جزاك ، فدفعتها إليه فأغنيته.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن الحسين بن سيبخت البغدادي ، نا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي ، نا عون بن محمد ، نا أبي قال : قال لي إسحاق بن إبراهيم كنت مع المأمون بدمشق وكان قد قلّ المال عنده حتى ضاق وشكى ذاك إلى أبي إسحاق المعتصم فقال له : يا أمير المؤمنين كأنك بالمال قد وافاك بعد جمعة. قال : وقد كان حمل إليه ثلاثين ألف ألف من خراج ما كان يتولاه أبو إسحاق ، فلما ورد عليه ذلك المال قال المأمون ليحيى بن أكثم : اخرج بنا ننظر إلى هذا المال فخرجا حتى أصحرا ووقفا ينظران إليه ، وكان قد هيئ بأحسن هيئة ، وحلّيت أباعره وألبست الأجلّة الموشّاة والجلال المصبوغة وقلّدت العهن وجعلت البدور من الحرير الأحمر والأخضر والأصفر ، وأبديت رءوسها. قال : فنظر المأمون إلى شيء حسن ، واستكثر ذلك المال وعظم في عينه واستشرفه الناس ينظرون إليه ويعجبون منه ، فقال المأمون : يا أبا محمد ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين تراهم إلى منازلهم خائبين ، وننصرف نحن بهذه الأموال قد ملكناها دونهم ، إنّا إذا للئام ، ثم دعا محمد بن يزداد فقال : وقّع لفلان بألف ألف ، ولفلان بمثلها ، ولفلان بثلاثمائة ألف ، ولفلان بمثلها ، قال : فو الله إن زال كذلك حتى فرّق أربعة وعشرين ألف ألف ، درهم ورجله في ركابه ؛ قال : ثم قال : ادفع الباقي إلى المعلّى لعطاء جندنا. قال : فقال العبسي : فجئت حتى قمت نصب عينيه فلم أرد طرفي عنه فجعل لا يلحظني إلّا رآني بتلك الحال. فقال : يا أبا محمد : وقّع لهذا بخمسين ألف درهم من الستة الألف ألف درهم لا يختلس ناظري قال : فلم تأت عليّ ليلتان حتى أخذت المال وفي رواية أخرى : العيشي ، فالله أعلم.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد ، وأبو منصور بن خيرون قالا : قال لنا أبو بكر