أن صاحب البيت دعاني ، وظن صاحب البيت أنني معهما ، فجلسنا وأتي بالطعام فأكلنا ، وبالشراب فوضع ، وخرجت الجارية وفي يدها عود. فرأيت جارية حسناء ، وتمكّن ما في قلبي منها فغنّت غناء صالحا وشربنا (١) وقمت قومة للبول ، فسأل صاحب المنزل عني الفتيين (٢) فأخبراه أنهما لا يعرفاني (٣) فقال : هذا طفيلي ولكنه ظريف فأجملوا عشرته ، وجئت فجلست فغنّت الجارية في لحن لي (٤) :
ذكرتك إن مرّت بنا أمّ شادن (٥) |
|
أمام المطايا تشرئبّ وتسنح |
من المؤلفات الرمل أدماء (٦) حرّة |
|
شعاع الضّحى في متنها (٧) يتوضح |
فأدّته أداء صالحا وشربت ، ثم غنّت أصواتا فيها من صنعتي :
الطّلول الدوارس |
|
فارقتها الأوانس |
أو حشت بعد أهلها |
|
فهي قفر بسابس (٨) |
فكان أمرها فيه أصلح من الأول ، ثم غنّت أصواتا من القديم والمحدث ، وغنّت في أضعافهما من صنعتي من شعري :
قل لمن صدّ عاتبا |
|
ونأى عنك جانبا |
قد بلغت الذي أردت |
|
وإن كنت لاعبا |
واعترفنا بما ادّعيت |
|
وإن كنت كاذبا |
فكان أصلح ما غنته ، فاستعدته منها لأصحّحه ، فأقبل عليّ رجل من الرجلين فقال : ما رأيت طفيليا أصفق وجها منك ، لم ترض بالتطفيل حتى اقترحت ، وهذا تصديق المثل : «طفيلي ويقترح» فأطرقت ولم أجبه وجعل صاحبه يكفّه عني ولا يكفّ ،
__________________
(١) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه وبجانبها كلمة صح.
(٢) الأغاني : الرجلين.
(٣) رسمها ناقص بالأصل ، والمثبت عن الأغاني.
(٤) البيتان لذي الرمة ديوانه ص ٨٠ والأغاني ٥ / ٢٩٢ و ٤٢٤.
(٥) أم شادن كنية الظبية.
(٦) الأدماء : الظباء البيض تعلوهن جدد فيهن غبرة ، والخالصة البياض يقال لها الآرام.
(٧) عن الديوان والأغاني ، وبالأصل «منتهى».
(٨) الشعر لابن ياسين كما في الأغاني ٥ / ٤٢٦.