عدي يرسف في القيود فقال : يا عامر ، اسمع مني ، أبلغ معاوية أن دماءنا عليه حرام ، وأخبره أنّا قد أومنّا وصالحناه ، وصالحنا وإنّا لم نقتل أحدا من أهل القبلة ، فتحل له دماؤنا فليتّق الله ولينظر في أمرنا. فقال له نحوا من هذا الكلام ، فأعاد عليه حجر مرارا. فكان الآخر أعرض ، فقال : لقد فهمت لك ـ أكثرت ، فقال له حجر : إني ما سمعت بعيب وعلى أية تلوم إنك والله تحبى وتعطى ، إن حجرا يقدّم ويقتل ، فلا ألومك أن تستثقل كلامي ، اذهب عنك ، فكأنه استحيا فقال : لا والله ما ذاك بي ، ولأبلغنّ جهدي ، فكان يزعم أن قد فعل ، والآخر أبى.
فدخل عامر على معاوية فأخبره بأمر الرجلين قال : وقام يزيد بن أسد البجلي فقال : يا أمير المؤمنين هب لي ابني عمّي ـ وقد كان جرير بن عبد الله كتب فيهما : إنّ امرأين من قومي من أهل الجماعة والرأي الحسن ، سعى بهما ساع ظنين إلى زياد ، فبعث بهما في النفر الكوفيين الذين وجه بهم زياد إلى أمير المؤمنين وهما ممن لم يحدث في الإسلام ، ولا بغيا على الخليفة فلينفعهما ذلك عند أمير المؤمنين ، فلما سألهما يزيد ذكر معاوية كتاب جرير ، فقال : قد كتب إليّ فيهما جرير يحسن الثناء عليهما ، وهو أهل أن يصدّق قوله وتقبل نصيحته ، وقد سألتنا ابني عمّك فهما لك. وطلب وائل بن حجر في الأرقم فتركه ، وطلب أبو الأعور السّلمي في عتبة بن الأخنس فوهبه له ، وطلب حمرة (١) بن مالك الهمداني في سعد (٢) بن نمران الهمداني فوهبه له ، وكلّمه ابن مسلمة في ابن حويّة فخلّى سبيله.
وقام مالك بن هبيرة السّكوني فقال لمعاوية : دع لي ابن عمي حجرا فقال : ابن عمك حجر رأس القوم وأخاف إن خلّيت سبيله أن يفسد عليّ مصري ، فيضطرنا غدا إلى أن نشخصك وأصحابك إليه بالعراق ، فقال : والله ما أنصفتني يا معاوية ، إن قاتلت معك ابن عمك فيلقاني منهم يوما كيوم صفين حتى ظفرت كفك وعلا كعبك ولم تخف الدوائر ثم سألتك ابن عمي فسطوت أو بسطت من القول فيما لا أنتفع به وتخوّفت فيما زعمت عاقبة الدوائر ، ثم انصرف فجلس في بيته فبعث معاوية هدبة بن فيّاض القضاعي من بني سلامان بن سعد ، والحصين بن عبد الله الكلابي ، وأبا شريف البدّيّ فأتوهم عند
__________________
(١) في الأغاني : حمزة.
(٢) كذا بالأصل وفي الطبري : «سعيد» وقد مرّ في بداية الترجمة.