المساء. فقال الخثعميّ حين رأى الأعور مقبلا : يقتل نصفنا وينجو نصفنا ، فقال سعيد (١) بن نمران : اللهمّ اجعلني ممن ينجو وأنت عنه راض ، وقال عبد الرّحمن بن حسان العنزي : اللهم اجعلني ممن يكرمني بهوانهم وأنت عني راض فقال : فطالما (٢) عرضت نفسي للقتل فأبى الله إلّا ما أراد.
فجاء رسول معاوية إليهم في تخلية ستة منهم ويقتل ثمانية (٣) ، فقال لهم رسول معاوية : إنّا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ فإن فعلتم تركناكم ، وإن أبيتم قتلناكم ، وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم ، غير أنه قد عفا على ذلك ، فابرءوا من هذا الرجل نخلّ سبيلكم. فقالوا : اللهم إنّا لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت ، وأدنيت أكفانهم ، وقاموا الليل كله يصلّون ، فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية : يا هؤلاء لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة ، وأحسنتم الدعاء ، فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا : هو أول من جار في الحكم ، وعمل بغير الحق ؛ فقال أصحاب معاوية : أمير المؤمنين كان أعلم بكم ، ثم قاموا إليهم فقالوا : تبرءون من هذا الرجل ، قالوا : بل نتولّاه ونتبرأ ممن تبرأ منه ، فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله ، ووقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدّيّ فقال له قبيصة : إن الشرّ بين قومي وقومك أمرا (٤) فليقتلني سواك فقال له : برّتك رحم ، فأخذ الحضرمي فقتله ، وقتل القضاعي قبيصة بن ضبيعة.
قال : ثم إن حجرا قال لهم : [دعوني أتوضأ ، قالوا له : توضأ ، فلما أن توضأ قال لهم](٥) دعوني أصلي ركعتين فإني والله ما توضأت قط إلّا صلّيت ركعتين ؛ قالوا له : صلّ ، فصلّى ثم انصرف فقال : والله ما صلّيت صلاة قط أقصر منها ، ولو لا أن تروا أن ما بي جزع من الموت ، لأحببت أن استكثر منها ثم قال : اللهم إنا نستعديك على أمتنا ، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا ، وإن أهل الشام يقتلوننا ، أما والله لئن قتلتموني بها ، إني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشي إليه
__________________
(١) عن الطبري وبالأصل وم : سعد.
(٢) عن الطبري ، وبالأصل «ما».
(٣) عن الطبري وبالأصل «ستة».
(٤) الطبري : أمن.
(٥) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم واستدرك عن تاريخ الطبري ٥ / ٢٧٥.