الأعور هدبة بن فيّاض بالسيف فأرعدت خصائله (١) ، فقال : كلّا ، زعمت أنك لا تجزع من الموت ، فأنا أدعك فابرأ من صاحبك فقال : وما لي لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا ، وكفنا منشورا ، وسيفا مشهورا ؛ إني والله وإن جزعت من القتل لا أقول ما يسخط الرّب ، فقتله وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة. قال عبد الرّحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي : ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين ، فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته ؛ فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما ، فبعث إليهم أن ائتوني بهما (٢).
فلما دخلا عليه ، قال الخثعمي : الله الله يا معاوية ، فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى دار الآخرة الدائمة ، ثم مسئول عما أردت بقتلنا ، وفيم سفكت دماءنا ؛ قال معاوية : ما تقول في عليّ؟ قال : أقول فيه قولك ، [قال] : أتبرأ من دين عليّ الذي كان يدين الله به؟ فسكت ، وكره معاوية أن يجيبه.
ثم قام شمر ـ ويقال : سمّي ـ ابن عبد الله من بني قحافة فقال : يا أمير المؤمنين هب لي ابن عمي ، فقال : هو لك غير أني حابسه شهرا ، فكان يرسل إليه بين كل يومين فيكلمه ، وقال له : إني لأنفس بك على العراق أن يكون فيهم مثلك. ثم إنّ شمرا عاوده فيه الكلام فقال : تمّ لي على هبة ابن عمي فدعاه فخلّى سبيله ، على أن لا يدخل الكوفة ما كان له سلطان ، وقال : تخيّر أي بلاد العرب أحبّ إليك أن أسيّرك إليها ، فاختار الموصل ، فكان يقول : لو قد مات معاوية قدمت المصر ، فمات قبل معاوية بشهر.
ثم أقبل على عبد الرّحمن العنزيّ فقال له : يا أخا ربيعة ما قولك في علي؟ قال : دعني لا تسألني فإنه خير لك ؛ قال : والله لا أدعك حتى تخبرني عنه ، قال : أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا ومن الآمرين بالحق ، والقائمين بالقسط ، العافين عن الناس ؛ قال : ما قولك في عثمان؟ قال : هو أول من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحق ، قال : قتلت نفسك ؛ قال : لا بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي ـ يقول حين كلّم شمر الخثعمي في كريم بن عفيف الخثعمي ولم يكن له أحد من قومه يكلم فيه ـ فبعث به معاوية إلى
__________________
(١) الخصائل جمع خصيلة ، وهي كل عصبة فيها لحم غليظ.
(٢) بعدها في الأغاني ١٧ / ١٥٢ فالتفتا إلى حجر ، فقال له العنزي : لا تبعد يا حجر ، ولا يبعد مثواك ، فنعم أخو الإسلام كنت ، وقال الخثعمي نحو ذلك. ثم مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثلا :
كفى بشفاه القبر بعدا لهالك |
|
وبالموت قطاعا لحبل القرائن |