اللحى : أن توفَّر وتكثر. يقال منه : قد عفا الشعْرُ وغيره إذا كثر ، يعفو فهو عافٍ. وقد عفَّيته وأعفيته لغتان إذا فعلت ذلك به ، قال الله جلّ وعزّ : (حَتَّى عَفَوْا) [الأعرَاف : ٩٥] يعني كثروا.
وفي الحديث «إذا عفا الوَبَر وبرىء الدَبَر حَلَّت العمرة لمن اعتمر». ويقال للشعر إذا طال ووَفَى : عِفَاء. وقال زهير :
أذلك أم أقبّ البطن جأبٌ |
عليه من عقيقته عِفَاء |
ويقال تعفّت الديارُ تعفِّياً إذا دَرَست.
وقال الليث : ناقة ذات عِفاء : كثيرة الوبر. قال وعِفَاء النعامة : ريشه الذي قد علا الزِّف الصغار. قال : وكذلك عِفاء الديك ونحوه من الطير ، الواحدة عِفاءة ممدودة. وليست همزة العِفَاء والعِفاءة أصلية ، إنما هي واو قُلبت ألِفاً فمُدّت ؛ مثل السماء أصل مدّتها الواو. ويقال في الواحدة : سماوة وسماءة. قال : وعِفَاء السحاب كالخَمْل في وجهه. قال : ولا يقال للريشة الواحدة : عِفَاءة حتى تكون كثيرة كثيفة. قال : وقال بعضهم في همزة العِفَاء : إنها أصلية.
قلت وليست همزتها أصلية عند النحويين الحذّاق ولكنها همزة مدّة ، وتصغيرها عُفَيّ.
وقال الله جلّ وعزّ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ١٧٨].
قلت : وهذه آية مشكلة ، وقد فسّرها ابن عباس ثم مَن بعده تفسيراً قرّبوه على قدر أفهام أهل عصرهم ، فرأيت أن أذكر قول ابن عباس ، وأؤيّده بما يزيده بياناً ووضوحاً. حدثنا محمد بن إسحاق السعدي ، قال حدثنا المخزومي. قال : حدثنا ابن عُيَينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد قال سمعت ابن عباس يقول : كان القِصَاص في بني إسرائيل ، ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله جلّ وعزّ لهذه الأمة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) [البَقَرَة : ١٧٨] إلى قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) قال فالعفو أن يُقبل الدية في العمد (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) [البَقَرَة : ١٧٨] ممّا كتب على من كان قبلكم ، يطلب هذا بإحسان ويؤدِّي هذا بإحسان.
قلت : فقول ابن عباس : العفو : أن يقبل الدية في العمد الأصل فيه أن العفو في موضوع اللغة الفضل.
يقال : عفا فلان لفلان بماله إذا أفضل له ، وعفا له عمّا عليه إذا تركه. وليس العفو في قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) [البقرة : ١٧٨] عفوا من ولي الدم ، ولكنه عفو من الله جلّ وعزّ. وذلك أن سائر الأمم قبل هذه الأمة لم يكن لهم أخذ الدية إذا قُتل قتيل ، فجعله الله لهذه الأمة عَفْوا منه وفضلاً ، مع اختيار ولي الدم ذلك في العمد وهو قول الله جلّ وعزّ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ١٧٨] أي من عفا الله جلّ وعزّ اسمه له بالدية حين أباح له أخذها بعدما كانت محظورة على سائر الأمم ، مع اختياره