بصاحبه إليه حتى أهلكه ، والثالث هو الساعي نفسه ، سمى مثلثاً لإهلاكه ثلاثة نفر ، ومما يحقّق ذلك الخبرُ الثابت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يدخل الجنة قَتّات» فالقَتّات والساعي والماحِل واحد.
ويقال لعامل الصدقات : ساعٍ وجمعه سُعَاة ، وقد سعى يسعى إذا عمل عمل الصدقات فأخذها من أغنيائها وردّها في فقرائها.
وقال عمرو بن العدّاء الكلبيّ :
سعى عِقَالاً فلم يترك لنا سَبَدا |
فكيف لو قد سعى عمرو عقالين |
وفي حديث عمر أنه أُتِي في إماء ونساء سَاعَيْنَ في الجاهليّة ، فأمر بأولادهنّ أن يقوَّموا على آبائهم ولا يسترقّوا.
قال أبو عبيد : وأخبرني الأصمعيّ أنه سمع ابن عون يذكر هذا الحديث فقال له : إن المساعاة لا تكون في الحرائر ، إنما تكون في الإماء.
قال أبو عبيد : ومعنى المساعاة الزنى.
وخصّ الإماء بالمساعاة لأنهن كن يسعَين على مواليهنّ فيكسِبن لهم.
قلت : ومن هذا أُخذ استسعاء العبد إذا عَتَق بعضه ورَقّ بعضه ، وذلك أنه يسعى في فَكَاك ما رقّ من رقبته ، فيعمل فيه ويتصرّف في كسبه حتى يعْتِق. ويسمى تصرفه في كسبه سعاية لأنه يعمل فيه.
وقال أبو الهيثم : المساعاة : مساعاة الأمة إذ ساعاها مالكها ، فضَرب عليها ضريبة تؤدّيها بالزنى ، ومنه يقال : استُسعِي العبد في رقبته سُوعِيَ في غلته فالمستسعَى الذي يُعتقه مالكه عند موته ، وليس له مال غيره ، فيعتق ثلثه ويُستسعى في ثلثي رقبته. والمساعاة : أن يساعيه في حياته في ضريبته. والسعي يكون في الصلاح ، ويكون في الفساد.
قال الله جلّ وعزّ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) [المَائدة : ٣٣] نصب قوله (فَساداً) لأنه مفعول له ، أراد : يسعون في الأرض للفساد. وكانت العرب تسمي أصحاب الحَمَالات لحَقْن الدماء وإطفاء النائرة سُعَاة ؛ لسعيهم في صلاح ذات البين.
ومنه قول زهير :
سعى ساعياً غيظِ بن مُرَّة بعدما |
تبزّل ما بين العشيرة بالدم |
أي سعياً في الصلح وجَمْع ما تحمّلا من ديات القتلى. والعرب تسمي مآثر أهل الشرف والفضل مساعي واحدتها مَسعاة لسعيهم فيها ، كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعْنوا فيها أنفسهم. والسَّعاة اسم من ذلك ، ومن أمثال العرب : شغلت سَعَاتِي جدواي.
قال أبو عبيد : يُضرب هذا مثلاً للرجل يكون شيمته الكرم غير أنه مُعدِم. يقول : شغلتني أموري عن الناس والإفضال عليهم. ومن أمثالهم في هذا : بالساعد تبطش اليد.
قلت كأنه أراد بالسعاة الكسب على نفسه والتصرّف في معاشه.
ومنه قولهم : المرء يسعى لغارَيْه أي