والثاني أن يكون الإحصان شرطا في الإباحة المذكورة في قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) فإن كان المراد الوجه الأول فإطلاق الإباحة عموم يصح اعتباره فيما انتظمه إلا ما قام دليله وإن أراد الوجه الثاني كان إطلاق الإباحة مجملا لأنه معقود بشريطة حصول الإحصان به والإحصان لفظ مجمل مفتقر إلى البيان فلا يصح حينئذ الاحتجاج به والأولى حمله على الأخبار عن حصول الإحصان بالتزويج لإمكان استعماله وذلك لأنه متى ورد لفظ يحتمل أن يكون عموما يمكننا استعمال ظاهره ويحتمل أن يكون مجملا موقوف الحكم على البيان فالواجب حمله على معنى العموم دون الإجمال لما فيه من استعمال حكمه عند وروده فعلينا المصير إليه وغير جائز حمله على وجه يسقط عنا استعماله إلا بورود بيان من غيره وفي نسق التلاوة وفحوى الآية ما يوجب أن يكون ذكر الإحصان إخبارا عن كونه محصنا بالنكاح وذلك لأنه قال (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) والسفاح هو الزنا فأخبر أن الإحصان المذكور هو ضد الزنا وهو العفة وإذا كان المراد بالإحصان في هذا الموضع العفاف فقد حصل على وجه لا يكون مجملا لأن تقديره وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم عفة غير زنا وهذا لفظ ظاهر المعنى بين المراد فيوجب ذلك معنيين أحدهما إطلاق لفظ الإباحة وكونه عموما والآخر الأخبار بأنهم إذا فعلوا ذلك كانوا محصنين غير مسافحين والإحصان لفظ مشترك متى أطلق لم يكن عموما كسائر الألفاظ المشتركة وذلك لأنه اسم يقع على معان مختلفة وأصله المنع ومنه سمى الحصن لمنعه من صار فيه من أعدائه ومنه الدرع الحصينة أى المنيعة والحصان بالكثر الفحل من الأفراس لمنعه راكبه من الهلاك والحصان بالنصب العفيفة من النساء لمنعها فرجها من الفساد قال حسان في عائشة رضى الله عنهما.
حصان رزان ما تزن بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل |
وقال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ) يعنى العفائف والإحصان في الشرع اسم يقع على معان مختلفة غير ما كان الاسم لها في اللغة فمنها الإسلام قال الله تعالى (فَإِذا أُحْصِنَ) روى فإذا أسلمن ويقع على التزويج لأنه قد روى في التفسير أيضا أن معناه فإذا تزوجن وقال تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ومعناه ذوات الأزواج ويقع على العفة في قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) ويقع