كانوا فساقا فإن ظاهر قوله (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) قد تناولهم إذ لم يشرط في سقوط الحد عن القاذف العدول دون الفساق فوجب بمقتضى الآية زوال الحد عن القاذف إذ جعل شرط وجوب الحد أن لا يأتى بأربعة شهداء وهو قد أتى بأربعة شهداء إذ كان الشهداء اسما لمن أقام الشهادة فإن قيل يلزمك مثله في الكفار والمحدودين في القذف ونحوهم قيل له قد اقتضى الظاهر ذلك وإنما خصصناه بدلالة وأيضا فإن الفساق إنما ردت شهادتهم للتهمة وكان ذلك شبهة في ردها فغير جائز إيجاب الحد عليهم بالشبهة التي ردت من أجلها شهادتهم ووجب سقوط الحد عن القاذف أيضا بهذه الشهادة كما أسقطناها عنهم إذ كان سبيل الشبهة أن يسقط بها الحد ولا يجب بها الحد وأما المحدود في القذف والكافر والعبد والأعمى فلم نرد شهادتهم للتهمة ولا لشبهة فيها وإنما رددناها لمعان متيقنة فيهم تبطل الشهادة وهي الحد والكفر والرق والعمى فلذلك حددناهم ولم يكن لشهادتهم تأثير في إسقاط الحد عنهم وعن القاذف ووجه آخر وهو أن الفساق من أهل الشهادة وإنما رددناها اجتهادا وقد يسوغ الاجتهاد لغيرنا في قبول شهادتهم إذا كان ما نحكم نحن بأنه فسق يوجب رد الشهادة قد يجوز أن يراه غيرنا غير مانع من قبول الشهادة فلما كان كذلك لم يكن لنا إيجاب الحد على الشهود ولا على القاذف بالاجتهاد وأما الحد في القذف والكفر ونظائر هما فليس طريق إثباتها الاجتهاد بل الحقيقة فلذلك جاز أن يحدوا ولم يكن لشهادتهم تأثير في إسقاط الحد عن القاذف وأيضا فإن الفاسق غير محكوم ببطلان شهادته إذ الفسق ليس بمعنى يحكم به الحاكم ولا يسمع عليه البينات فلما لم يحكم ببطلان شهادتهم ولا كان الفسق مما تقوم به البينات ويحكم به الحاكم لم يجز الحكم ببطلان شهادتهم في إيجاب الحد عليهم ولما كان حد القذف والكفر والرق والعمى مما يقع الحكم به وتقوم عليه البينات كان محكوما ببطلان شهادتهم وخرجوا بذلك من أن يكونوا من أهل الشهادة فوجب أن يحدوا لوقوع الحكم بالسبب الموجب لخروجهم من أن يكونوا من أهل الشهادة وأيضا فإن الفسق من الشاهد غير متيقن في حال الشهادة إذ جائز أن يكون عدلا بتوبته في الحال فيما بينه وبين الله وأما الكفر والحد والعمى والرق فقد علمنا أنه غير زائل وهو المانع له من كونه شاهدا فلذلك اختلفا فإن قيل جائز أن يكون الكافر قد أسلم أيضا فيما بينه وبين الله قيل له لا يكون مسلما باعتقاده الإسلام دون إظهاره في الموضع الذي يمكنه