الشهادة التي لا يثبت حكمها إلا عند الحاكم فواجب على هذا أن لا تقع موجبة للفرقة إلا بحكم الحاكم فإن قيل الأيمان على الدعاوى لا يثبت بها حكم إلا عند الحاكم ومتى استحلف الحاكم رجلا برىء من الخصومة ولا يحتاج إلى استئناف حكم آخر في برائته منها وهذا يوجب انتقاض اعتلالك بما ذكرت قيل له هذا لا يلزم على ما ذكرنا وذلك لأنا قلنا اللعان شهادة تتعلق صحتها بالحاكم كالشهادات على الحقوق وليست الأيمان على الحقوق شهادات بذلك على هذا أن اللعان لا يصح إلا بلفظ الشهادات كالشهادات على الحقوق وليس كذلك الاستحلاف على الدعاوى وأيضا فإن اللعان تستحق به المرأة نفسها كما يستحق المدعى ببينته فلما لم يجز أن يستحق المدعى ما ادعاه إلا بحكم الحاكم وجب حكمه في استحقاق المرأة نفسها باللعان وأما الاستحلاف على الحقوق فإنه لا يستحق به شيء وإنما تقطع الخصومة في الحال ويبقى المدعى عليه على ما كان عليه من براءة الذمة فكانت فرقة اللعان بالشهادات على الحقوق أشبه منها بالاستحلاف عليها وأيضا لما كان اللعان سببا للفرقة متعلقا بحكم الحاكم أشبه تأجيل العنين في كونه سببا للفرقة في تعلقه بحكم الحاكم فلما لم تقع الفرقة بعد التأجيل بمضى المدة دون تفريق الحاكم وجب مثله في فرقة اللعان لما وصفنا وأيضا لما لم يكن اللعان كناية عن الفرقة ولا تصريحا بها وجب أن لا تقع به الفرقة كسائر الألفاظ التي ليست كناية عن الفرقة ولا تصريحا بها فإن قيل الإيلاء ليس بكناية عن الطلاق ولا صريح وقد أوقعت به الفرقة عند مضى المدة قيل له إن الإيلاء يصح أن يكون كناية عن الطلاق إلا أنه أضعف من سائر الكنايات فلا تقع الفرقة فيه بنفس الإيلاء إلا بانضمام معنى آخر إليه وهو ترك الجماع في المدة ألا ترى أن قوله والله لا أقربك قد يدل على التحريم إذ كان التحريم يمنع القرب وأما اللعان فليس يصح أن يكون دالا على التحريم بحال لأن أكثر ما فيه أن يكون الزوج صادقا في قذفه فلا يوجب ذلك تحريما ألا ترى أنه لو قامت البينة عليها بالزنا لم يوجب ذلك تحريما وإن كان كاذبا والمرأة صادقة فذلك أبعد فثبت بذلك أنه لا دلالة فيه على التحريم قال فلذلك لم يجز وقوع الفرقة دون إحداث تفريق إما من قبل الزوج أو من قبل الحاكم وأيضا أنه لما لم يصح ابتداء اللعان إلا بحكم الحاكم كان كذلك ما تعلق به من الفرقة ولما صح ابتداء الإيلاء من غير حاكم لم يحتج في وقوع الفرقة إلى حكم الحاكم فإن قيل لما اتفقنا على أنهما لو تراضيا