استحسانا والقياس أن يكون مثل الأول لعدم قيام حجة السمع عليه وحجة الاستحسان إنه قد رأى الناس يصلون في المساجد بأذان وإقامة وذلك دعاء إليها فكان ذلك بمنزلة قيام الحجة عليه ومخاطبة المسلمين إياه بلزوم فرضها فلا يسقطها عنه تضييعه إياه والوجه الثاني إنه لا يعذب عذاب الاستئصال إلا بعد قيام حجة السمع بالرسول وإن مخالفة موجبات أحكام العقول قبل ورود السمع من جهة الرسول لا توجب في حكم الله عذاب الاستئصال قوله تعالى (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) قال سعيد أمروا بالطاعة فعصوا وعن عبد الله قال كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمر بنوا فلان وعن الحسن وابن سيرين وأبى العالية وعكرمة ومجاهد (أَمَرْنا) أكثرنا ومعناه على هذا إنا إذا كان في معلومنا منا إهلاك قرية أكثرنا مترفيها وليس المعنى وجود الإرادة منه لإهلاكهم قبل المعصية لأن الإهلاك عقوبة والله تعالى لا يجوز أن يعاقب من لم يعص وهو كقوله تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) ليس المعنى وجود الإرادة منه وإنما هو أنه في المعلوم إنه سينقض وخص المترفين بالذكر لأنهم الرؤساء ومن عداهم تبع لهم وكما أمر فرعون وقومه تبع له وكما كتب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى قيصر أسلم وإلا فعليك إثم الأريسين وكتب إلى كسرى فإن لم تسلم فعليك إثم الأكارين قوله تعالى (مِنَ الْقُرُونِ) روى عن عبد الله بن أبى أوفى إن القرن مائة وعشرون سنة وقال محمد بن القاسم المازني مائة سنة وقيل القرن أربعون سنة قوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) العاجلة الدنيا كقوله (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) أخبر الله تعالى أن من كان همه مقصورا على طلب الدنيا دون الآخرة عجل له منها ما يريد فعلق ما يؤتيه منها بمعنيين أحدهما قوله (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ) فلذلك استثنى في المعطى وذلك يتضمن مقداره وجنسه وإدامته أو قطعه ثم أدخل عليه استثناء آخر فقال (لِمَنْ نُرِيدُ) فلذلك استثنى في المعطين وإنه لا يعطى الجميع ممن يسعى للدنيا بل يعطى من شاء منهم ويحرم من شاء فأدخل على إرادة العاجلة في إعطاء المريد منها استثناءين لئلا يثق الطالبون للدنيا بأنهم لا محالة سينالون بسعيهم ما يريدون ثم قال تعالى (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) فلم يستثن شيئا بعد وقوع السعى منهم على الوجه المأمور به وشرط في السعى للآخرة أن يكون مؤمنا ومريدا لثوابها قال محمد