والثاني أن ما أتاه فهو الذي يحصل في يده ويمكنه التصرف فيه وما سقط عقيب العقد لا يمكنه التصرف فيه ولم يحصل له عليه بل لا يستحق الصفة بأنه من مال الله الذي آتاه إياه وأيضا لو كان الإيتاء واجبا لكان وجوبه متعلقا بالعقد فيكون العقد هو الموجب له وهو المسقط وذلك مستحيل لأنه إذا كان العقد يوجبه وهو بعينه مسقط استحال وجوبه لتنافى الإيجاب والإسقاط فإن قيل ليس يمتنع ذلك في الأصول لأن الرجل إذا زوج أمته من عبده يجب عليه المهر بالعقد ثم يسقط في الثاني قيل له ليس كذلك لأنه ليس الموجب له هو المسقط له إذا كان الذي يوجبه هو العقد والذي يسقطه هو حصول ملكه للمولى في الثاني فالموجب له غير المسقط وكذلك من اشترى أباه فعتق عليه فالموجب للملك هو الشرى والموجب للعتاق حصول الملك مع النسب ولم يكن الموجب له هو المسقط وقد حكى عن الشافعى أن الكتابة ليست بواجبة وأن يضع عنه بعد الكتابة واجب أقل ما يقع عليه اسم شيء ولو مات المولى قبل أن يضع عنه وضع الحاكم عنه أقل ما يقع عليه اسم شيء قال أبو بكر فلو كان الحط واجبا لما احتاج أن يضع عنه بل يسقط القدر المستحق كمن له على إنسان دين ثم صار للمدين عليه مثله أنه يصير قصاصا ولو كان كذلك لحصلت الكتابة مجهولة لأن الباقي بعد الحط مجهول فيصير بمنزلة من كاتب عبده على ألف درهم إلا شيء وذلك غير جائز وجملة ذلك أن الإيتاء لو كان فرضا لسقط ثم لا يخلو من أن يكون ذلك القدر معلوما أو مجهولا فإن كان معلوما فالواجب أن تكون الكتابة بما بقي فيعتق إذا أدى ثلاثة آلاف درهم والكتابة أربعة آلاف درهم وذلك فاسد من وجهين أحدهما أنه لا يصح الإشهاد على الكتابة بأربعة آلاف درهم ومع ذلك فلا معنى لذكر شيء لا يثبت وأيضا فإنه يعتق بأقل مما شرط وهذا فاسد لأن أداء جميعها مشروط فلا يعتق بأداء بعضها وأيضا فإن الشافعى قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فالواجب إذا أن لا يسقط شيء ولو كان الإيتاء مستحقا لسقط وإن كان الإيتاء مجهولا فالواجب أن يسقط ذلك القدر فتبقى الكتابة على مال مجهول فإن قيل روى عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن أنه كاتب غلاما له فترك له ربع مكاتبته وقال إن عليا كان يأمرنا بذلك ويقول هو قول الله (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) وروى عن مجاهد أنه قال تعطيه ربعا من جميع مكاتبته تعجله من مالك قيل له هذا يدل على أنهم لم يروا ذلك