بنجس في نفسه وإنما يلحقه حكم النجاسة بمجاورته لها ولو لا قوله صلىاللهعليهوسلم لكان جائزا أن يظن ظان أن الماء المجاور للنجاسة قد صار في حكم عين النجاسة فينجس ما جاوره فلا يختلف حينئذ حكم الماء الثاني والثالث إلى العاشر وأكثر من ذلك في كون جميعه نجاسا فأبطل النبي صلىاللهعليهوسلم هذا الظن وأفاد أن الماء الذي لحقه حكم النجاسة من جهة المجاورة لا يكون في معنى أعيان النجاسات وأفادنا أيضا أن البئر إذا ماتت فيه فأرة فأخرجت أن حكم النجاسة إنما لحق ما جاور الفأرة دون ما جاور هذا الماء وإن الفأرة تجعله بمنزلة أعيان النجاسات فلذلك حكمنا بتطهير بعض ما بها فإن قيل لو كان الأمر على ما ذكرت لم يكن لقوله صلىاللهعليهوسلم الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه معنى لأن الماء المجاور للنجاسة ليس نجس في نفسه مع ظهور النجاسة فيه قيل له هذا أيضا معنى صحيح غير ما ادعيت واستفدنا به فائدة أخرى غير ما استفدناه بالخبر الذي اقتصر فيه على قوله الماء طهور لا ينجسه شيء عاريا من ذكر الاستثناء وذلك لأنه إخبار عن حال غلبة النجاسة وسقوط حكم الماء معها فيصير الجميع في حكم أعيان النجاسات وأفاد بذلك أن الحكم للغالب كما تقول في الماء إذا مازجه اللبن أو الخل أن الحكم للأغلب منهما وقد تكلمنا في هذه المسألة وفي مسألة القلتين في مواضع فأغنى عن إعادته هاهنا.
(فصل) وأما الماء المستعمل فإن أصحابنا والشافعى لا يجيزون الوضوء به على اختلاف منهم في الماء المستعمل ما هو وقال مالك والثوري يجوز الوضوء به على كراهة من مالك له والدليل على صحة القول الأول ما روى أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قال نهانا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة وتغتسل المرأة بفضل وضوء الرجل وليفترقا وفضل الطهور يتناول شيئين ما يسيل من أعضاء المغتسل والآخر ما يبقى في الإناء بعد الغسل وعمومه ينتظمهما فاقتضى ذلك النهى عن الوضوء بالماء المستعمل لأنه فضل طهور وأيضا قوله صلىاللهعليهوسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة وروى بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبى السائب مولى هشام بن زهرة عن أبى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ويدل عليه ما روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال يا بنى عبد المطلب إن الله كره لكم غسالة أيدى الناس وعن عمر أنه قال لأسلم حين أكل من تمر الصدقة أرأيت