أفد الترحّل غير أنّ ركابنا |
|
لما تزل بر حالنا وكأن قد (١) |
ألا ترى أن التقدير فيه : وكأن قد زالت ، فقطع قد من الفعل كقطع أل من الاسم. وعلى هذا قالوا أيضا في التّذكّر : «قام الي» إذا نويت بعده كلاما ، أي : الحارث أو العباس ، فجرى هذا مجرى قولك في التذكر : قدي ، أي : قد انقطع ، أو قد قام ، أو قد استخرج ونحو ذلك.
وإذا كان ال عند الخليل حرفا واحدا فقد كان ينبغي أن تكون همزته مقطوعة ثابتة كقاف قد وباء بل ، إلا أنه لّما كثر استعمالهم لهذا الحرف عرف موضعه ، فحذفت همزته ، كما حذفوا لم يك ، ولا أدر ، ولم أبل.
ويؤكد هذا القول عندك أيضا أنهم قد أثبتوا هذه الهمزة بحيث تحذف همزات الوصل البتة ، وذلك نحو قول الله عز وجل : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) (يونس : ٥٩) (٢) ،
__________________
(١) البيت للنابغة الذبياني وقد عثرنا عليه في ديوانه (ص / ٩٣) بشرح الطاهر بن عاشور. الترحل : الرحيل. ركابنا : الركاب للسرج ما توضع فيه الرجل. والركاب : الإبل المركوبة أو الحاملة شيئا. رحالنا : (م) رحل : وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب. يقول الشاعر : إن ميعاد الرحيل قد أزف وآن رغم أن ركابنا لم تزل برحالنا. الشاهد فيه تقدير : وكأن قد زالت ، فقطع قد من الفعل هنا كقطع ال من الاسم. إعراب الشاهد : قد : حرف توكيد مبني.
(٢) يروى في هذه الآية أن أبا الأحوص وهو عوف بن مالك بن نضلة حدث عن أبيه قال : أتيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأنا رث الهيئة فقال : هل لك مال؟ قلت : نعم. قال من أي المال؟ قال : قلت : من كل المال : من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال : «إذا أتاك الله مالا فلير عليك» وقال : «هل تنتج إبلك صحاحا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع أذنها فتقول هذه بحر ، وتشق جلودها وتقول هذه صرم ، وتحرمها عليك وعلى أهلك؟» قال : نعم. قال : «فإن ما آتاك الله لك حل» ، وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله لمجرد الأهواء والآراء التي لا مستند لها ولا دليل عليها. تفسير ابن كثير (٢ / ٤٢١). والأسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التهكم والسخرية من أولئك الذين يحرمون ما أحل الله أو العكس ، وأيضا إنكار ذلك عليهم إذ لا حجة لتحريمهم ما حرموا أو حل ما أحلوا. والشاهد في الآية : حذف همزة الوصل.