قال أبو علي : وحسّن أيضا جمعه بالواو والنون أنه قد حذفت ألف «دهداه» في التحقير ، ولو جاء على أصله لقيل «دهيديه» بوزن «صلصال» (١) و «صليصيل» فواحد «دهيدهينا» إنما هو «دهيديه» وقد حذفت الألف من مكبّرة ، فكان ذلك أيضا مسهّلا للواو والنون ، وداعيا إلى التعويض بهما.
وعلى هذا قولهم في أسماء الدواهي : «البرحون» (٢) و «الفتكرون» (٣) والأقورون» فكأن واحد «الفتكرين» «فتكر» وواحد «البرحين» «برح» وواحد «الأقورين» «أقور» وإن لم ينطق بذلك إلا أنه مقدر ، وكان سبيله أن يكون الواحد «فتكرة» و «برحة» و «أقورة» بالتأنيث كله ، كما قالوا : «داهية» و «منكرة» و «أمّ أدراص» (٤) و «الفليقة» (٥) و «أم الرّبيق» (٦) ، فلما لم تظهر الهاء في الواحد جعلوا جمعه بالواو والنون عوضا من الهاء المقدرة ، وجرى ذلك مجرى «أرض» و «أرضين». وإنما لم يستعملوا في هذه الأسماء الأفراد فيقولوا «برح» و «أقور» و «فتكر» واقتصروا فيه على الجمعية دون الإفراد من حيث كانوا يصفون الدواهي بالكثرة والعموم والاشتمال والغلبة. ألا ترى أن الكسائي ذهب في قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) (الكهف : ٧١) إلى أن معناه «شيئا داهيا منكرا عجبا» واشتق له من قولهم : «أمر القوم» إذا كثروا. وكذلك ما حكاه لنا أبو علي عن الأصمعي من قولهم في الداهية والأمر المنكر : «جئت بها زبّاء ذات وبر (٧)» فهذا يدل على أنهم قد أرادوا فيها معنى الكثرة والاشتمال ، ويشهد بصحة ما ذهب إليه الكسائي. ومثله أيضا عن الأصمعي «داهية شعراء» فهذا أيضا من معنى العموم والكثرة ، فمعنى الاشتمال والعموم غير مباين لمعنى الجمع ، فلذلك اجتمعوا في بعض أسماء الدواهي على الجمع دون الإفراد ، لأنه أليق بما قصدوه وأدنى لما أرادوه.
__________________
(١) الصلصال : الطين الحر خلط بالرمل ، ويتصلصل إذا جف فإذا طبخ بالنار فهو الفخار.
(٢) البرحون : جمع برح وهو الداهية والشدة ، وبنات برح : الدواهي والشدائد.
(٣) الفتكرون : جمع الفتكر وهي الدواهي والشدائد. لسان العرب (٥ / ٤٤).
(٤) يقال وقع في أم أدراص مضللة : يضرب ذلك في موضع الشدة والبلاء. اللسان (٧ / ٣٥).
(٥) الفيلقة : الداهية ، والأمر العجب. لسان العرب (١٠ / ٣١١) مادة / فلق.
(٦) أم الربيق : من أسماء الداهية ، ومن أسماء الحرب والشدائد. اللسان (١٠ / ١١٤).
(٧) قال الفيروز أبادي : الأزبيّ : الأمر والشر العظيم. اللسان (٤ / ٣٣٨) مادة / زباه.