والآخر : من تركيب (أوو) وهو من قول الشاعر (١) :
فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها |
|
ومن بعد أرض بيننا وسماء (٢) |
فمن رواه هكذا فـ «أوّ» على هذا بمنزلة قوّ زيدا ، وهو من مضاعف الواو ، ولا يكون «فأوّ» كقولك : سوّ زيدا ، ولوّ عمرا ، وحوّ حبلا لما ذكرناه قبل في حرف الميم من هذا الكتاب.
وإن ذهبت إلى أن «إيّا» من لفظ «أويت» احتمل ثلاثة أمثلة : أحدها أن يكون إفعلا. والآخر أن يكون فعيلا. والآخر فعلى.
فأما «إفعل» فأصله «إئوي» فقلبت الياء التي هي لام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصارت «إئوا» وقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء الفعل ياء لسكونها وانكسار الهمزة قبلها ، فصارت «إيوا» فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، فصارت «إيّا».
فإن قلت : ألست تعلم أن الياء التي قبل الواو في «إيوا» ليست بأصل ، وإنما هي بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل ، فهلا لم تقلب لها الواو ياء إذ كانت غير أصل وبدلا من همزة ، كما تقول في الأمر من أوى يأوي : ايو يا رجل ، ولا تقلب الواو ياء ، وإن كانت قبلها ياء ساكنة ، لأن تلك الياء أصلها الهمز؟
فالجواب : أن هذا إنما يفعل في الفعل لا في الاسم ، وذلك أن الفعل لا يستقر على حال واحدة ، ولا الهمزة المكسورة في أوله بلازمة ، إنما هي ثابتة ما ابتدأت ، فإذا وصلت سقطت البتة ، ألا تراك تقول : «ايو ، وأو» وإن شئت فأو ، كما قال تعالى : (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) (الكهف : ١٦) (٣) وليس كذلك الاسم ؛ لأنه إن كانت في
__________________
(١) ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة (أوا) (١٤ / ٥٤) ، والخصائص (٣ / ٣٨).
(٢) يقال : فأوّه على فعّل ، وهي لغة بني عامر ، وهذا من قولهم «فلان يتأوه من ذنوبه» معاني القرآن للفراء (٢ / ٢٣). والشاهد فيه (فأوّ) حيث ضاعف الواو.
(٣) (فأووا إلى الكهف) الشاهد فيه (فأووا) حيث حذفت الياء في الفعل «أوى» وثبتت الهمزة في أول الفعل.