على الجملة ، لأن اللام من خواص الأسماء ، فجاءوا بـ «الذي» متوصلين به إلى وصف المعارف بالجمل ، وجعلوا الجملة التي كانت صفة للنكرة صلة لـ «الذي» فقالوا : مررت بزيد الذي أبوه منطلق ، وبهند التي قام أخوها ، فألزموا اللام هذا الموضع لمّا أرادوا التعريف للوصف ليعلموا أن الجملة الآن قد صارت وصفا لمعرفة ، فجاءوا بالحرف الذي وضع للتعريف ، وهو اللام ، فأولوه الذي ليتحصل لهم بذلك لفظ التعريف الذي قصدوه ، ويطابق اللفظ المعنى الذي حاولوه.
ونظير هذا أنهم لمّا أرادوا نداء ما فيه لام المعرفة ، ولم يمكنهم أن يباشروه بـ «يا» لما فيها من التعريف والإشارة ، توصلوا إلى ندائها بإدخال أيّ بينهما ، فقالوا : يا أيّها الرجل ، فالمقصود بالنداء هو الرجل ، وأيّ وصلة إليه كما أن القصد في قولك : مررت بالرجل الذي قام أخوه ، أن يوصف الرجل بقيام أخيه ، فلما لم يمكنهم ذلك لما ذكرناه توصلوا إليه بالذي.
فإن قال قائل : إن الأسماء الموصولة كثيرة ، فلم اقتصروا في وصف المعرفة على الذي دون ما ، ومن ، وأيّ؟ وهلا قالوا : مررت بزيد المن (١) أخوه منطلق ، ونظرت إلى محمد المن قام صاحبه ، كما تقول : الذي أخوه منطلق ، والذي قام صاحبه؟
فالجواب : أنهم إنما قصدوا في هذا الموضع إصلاح لفظ الوصف على ما تقدم من قولنا ، ولم يكن ينبغي مع الاحتياط لذلك أن يعدلوا إلى من ، وما ، وأيّ ، دون الذي ، وذلك أن من ، وما كل واحد منهما على حرفين ، وليس في الأوصاف شيء على حرفين ، وإنما أقلّ ذلك ثلاثة نحو صعب ، وخدل (٢) ، وبطل ، ونجد ، ومرس (٣) ، فلما قلّ لفظ ما ، ومن عن عدد الأوصاف ، وكان أصل الذي ثلاثة أحرف ، وهو «لذي» كملت فيه العدّة التي يكون عليها الوصف ، وذلك نحو : محك ، وغرض ، ومرح ، فقالوا : مررت بزيد الذي قام أخوه ، كما تقول : مررت بزيد العمي ، والمكان النّدي.
__________________
(١) المن : والمقصود (ال+ من) أي دخول لام التعريف على بعض الأسماء الموصولة مثل (ال+ ذي) الذي ، فلما ذا لا تدخل على من ، ما ، أي .. إلخ؟
(٢) وخدل : العظيم الممتلئ. القاموس المحيط (٣ / ٣٦٦) مادة / خدل.
(٣) مرس : الشديد المراس ذو الجلد والقوة ، والذي تدرب على النوائب والخصومات ومارسها.