واللواتي بوزن الجواري والغواني جمع غانية ، فاعرف هذه النكت ، فقد استودعتها ما لا يكاد كتاب ينطوي عليه للطفه.
ولأجل ما ذكرناه من أن الذي إنما وقع في الكلام وصفا لا محالة ما وجب عندهم أن يعود ضميره عليه أبدا بلفظ الغيبة لا الحضور ، وذلك قولك : أنت الذي قام أخوه ، ولا تقول : «أخوك» إلا في ضرورة شعر ، وأنا الذي قام صاحبه ، ولا تقول «صاحبي» إلا ضرورة ، وإنما ذلك لأن التقدير : أنا الرجل الذي قام صاحبه ، وأنت الرجل الذي قام أخوه ، كما قال طرفة (١) :
أنا الرّجل الضّرب الذي تعرفونه |
|
خشاش كرأس الحيّة المتوقّد (٢) |
ولم يقل : الذي تعرفونني. وعلى هذا كلام العرب الفصيح.
وقد جاء أيضا الحمل في مثل هذا على المعنى دون اللفظ ، قال (٣) :
وأنا الذي قتّلت بكرا بالقنا |
|
وتركت تغلب غير ذات سنام (٤) |
فقال : قتّلت ، ولم يقل : قتّل.
__________________
(١) طرفة : هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ، ويقال أن اسمه عمرو ، وسمي طرفة ببيت قاله ، وأمه وردة ، وقتل وهو ابن عشرين سنة ، ولذا يقال له ابن العشرين.
(٢) الضرب : السريع الحركة لقلة لحمه. القاموس المحيط (١ / ٩٥). خشاش : ذكي ماضي في الأمور. القاموس (٢ / ٢٧٢). المتوقد : الماضي السريع التوقد في النشاط والمضار. لسان العرب (٣ / ٤٦٦). وقوله (كرأس الحية) كناية الذكاء والحركة والنشاط. الشاهد فيه قوله (الذي تعرفونه) ولم يقل (الذي تعرفونني). يقول مفتخرا : أنا الضرب الذي عرفتموه ، والعرب تتمدح بخفة اللحم لأن كثرته داعية إلى الكسل والثقل ، وهما يمنعان من الإسراع في دفع الملمات وكشف المهمات ، ويقول أيضا وأنا دخال في الأمور بخفة وسرعة تشبه سرعة حركة رأس الحية ، ويفتخر بيقظته وشدة ذكائه.
(٣) البيت لمهلهل. انظر / المقتضب (٤ / ١٣٢) ، وشرح المفصل (٤ / ٢٥).
(٤) القنا : (م) قناة وهو الرمح الأجوف. القاموس المحيط (٤ / ٣٨٠). سنام : كتل من الشحم محدبة على ظهر البعير والناقة ، والسنام من كل شيء أعلاء (ج) أسنمة. القاموس المحيط (٤ / ١٣٣).