وإذا كان ما ينطق به في كثير من الكلام قد تصيّره إلى أن يجري مجرى ما قد سقط حكمه وصار غير معتد به ، فما لا يظهر على وجه من الوجوه أولى بأن يلغى ولا يعتدّ به ، وذلك قولك : زيد خلفك ، فأصل هذا : زيد مستقرّ خلفك ، فحذف اسم الفاعل للعلم به ، وأقيم الظرف مقامه ، وانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف ، وصار موضع الظرف رفعا لأنه خبر المبتدأ ، وألغي «مستقرّ» حتى صار لا حكم له ولا اعتداد به ، وأنت مع هذا لو شئت لأظهرته ، فقلت : زيد مستقرّ خلفك.
ويدلك على أن حكم «مستقر» ونحوه في نحو هذا قد سقط عندهم ، وصارت معاملة اللفظ الآن إنما هي للظرف ، امتناعهم من تقديم الحال على الظرف في نحو قولهم : زيد خلفك واقفا ، فلو قلت : زيد واقفا خلفك لم يجز ، فلولا أن نصب الحال الآن إنما وجب بالظرف لا باسم الفاعل المحذوف لكان يجوز تقديم الحال على الظرف بغير اسم الفاعل ، كما كان يجوز تقديمها عليه مع اسم الفاعل في قولك : زيد واقفا في الدار مستقرّ ، فـ «واقفا» الآن منصوب بمستقرّ لا بالظرف ، ولذلك جاز تقديمه على الظرف ، فكذلك إذا قلت : زيد خلفك واقفا ، نصبت الحال بالظرف لا باسم الفاعل. فإذا كان حكم اسم الفاعل قد يبطل إذا أقمت الظرف مقامه مع أنه قد يجوز لك أن تلفظ معه باسم الفاعل وتجمع بينهما ، فأن يكون ما لا ينطق به البتة غير مراد ولا معتدّ به ـ وهو واحد «شعاليل» و «عباديد» ـ أجدر. فهذا ما احتمله القول ، واقتضاه النظر في قولنا «شيراز» و «شواريز» و «شراريز».
فأما قولهم «تسرّيت» فيكون أيضا من باب إبدال الياء من الراء ، وأصلها على هذا «تسرّرت» لأنها من «السّرّيّة» و «السّرّيّة» : «فعليّة» من السّرّ ، وذلك أن صاحبها أبدا ما يخفيها ويسرّ أمرها عن حرمته وصاحبة منزله. ومن كانت «سرّيّة» عنده «فعّيلة» مثل «مرّيقة» و «علّيّة» فاشتقاقها عنده من سراة الشيء ، وهو أعلاه وأوله. ودفع أبو الحسن هذا القول ، وقال : إن الموضع الذي تؤتى منه المرأة ليس أعلاها ولا سراتها .. والقول كما قال.
والذي ذهب إليه أبو الحسن فيها هو أنها «فعليّة» من السّرور لأن صاحبها يسرّ بها. ولو قال قائل : إنها «فعّيلة» من سريت ، أي : سرت ليلا ، لأن في ذلك ضربا من الإخفاء والسّتر ، لكان قولا ، ولكن حملها على أنها «فعليّة» أوجه لأمرين :